جيل الألفية الثالثة واستيعاب الديجيتال

رصد المغرب

ليس مذهلا أن يقدم إعلامي معلومات منهجية حول كيفية تحرير خبر صحفي في إحدى الورشات التكوينية، بل المذهل أن ينجز تلميذ من المستفيدين تقريرا صحفيا مستوفيا للشروط الفنية والتقنية بعد نهاية الورشة مباشرة. هذا ما حصل بالضبط بعد ظهيرة يوم السبت 17 فبراير الماضي، بمؤسسة التفتح الفني والأدبي الأمير عبد القادر بمديرية مكناس للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. والفاعل التلميذ الزميل يوسف الطهاري وبالصورة والصوت.

وكان عبد ربه الإعلامي والناشط في مجال التواصل الاجتماعي قد حل ضيفا على ورشة الصوت والصورة في موضوع تقنيات التحرير الصحفي، الخبر نموذجا. النشاط الذي يندرج وفق كلمة تقديمية لمدير المؤسسة عبد العالي لخليطي في إطار تنزيل البرنامج السنوي لورشة الصوت والصورة بمؤسسة التفتح للتربية والتكوين الأمير عبد القادر، وبهدف الإعداد لمسابقة الإعلام المدرسي، وتماشيا مع انفتاح المؤسسة على فعاليات ثقافية وفنية وجمعوية. عرف حضور جمهور تلاميذي نوعي من عاشقي مهنة صاحبة الجلالة، أبدى رغبته الشديدة في تكرار هذه التجربة النوعية من أجل أن تعم الفائدة على نطاق أوسع. واستهدفت الورشة التحسيسية تلامذة وأساتذة ورشتي الصوت والصورة والمكتبة، بحضور مدير المؤسسة.

هذه الحصة التحسيسية بإواليات التحرير الصحفي للخبر وعناصره الأساسية وفق النسق المهني المتعارف عليه، بما في ذلك الآليات الأسلوبية التي تشكل اللبنات الأساسية لتحرير الخبر الصحفي جعلت اللقاء حيا وتفاعليا بامتياز. وعرف تبادل أراء عامة مدعومة بشهادات من الحياة العامة. اتسمت بالجرأة في بعض الأحيان. أمثلة مشاهدات مواقف من وحي منصات التواصل الاجتماعي ودورها في حياتنا العامة اليوم. مرورا بالتحولات التي مست الأخلاق والقيم الاجتماعية التي بتنا نشهدها جراء ذلك. ولما تحدثت فاطمة الزهراء ومروة وزميلاتها عن التنمر وتماهياته، و”تيك توك” و”أنستغرام”… كان على أن أنصت. وكان مدهشا أن تتحدث تلميذة 11 سنة عن ذلك مستشهدة بفصول من الدستور ومواد من القانون الجنائي المغربي. واللافت أيضا أن التلامذة كانوا عاديين في استقبال ما يقدم لهم من معلومات، لقد كانوا زملاء بالفعل.

ولما كانت المعلومات المقدمة مركزة جدا بما يكفي باعتبارها مبادئ أساسية عامة تساعد التلامذة على فهم الإطار العام للخبر الصحفي من الرحم إلى الوضع كجنين. فإن ما حدث بعد ساعات من ذلك، لم يكن لافتا ومدهشا فحسب، بل باعثا على الدهشة والافتخار. لقد تبخر الاعتقاد القاضي باعتبار الورشة تتعلق بالتحسيس أولا، ثم التكوين بالتدرج أبعد ذلك خيرا. وأصبح من الواجب القول إن ما نتملكه نحن الكبار، لم يعد يكفي للمسايرة. فالأجيال القادمة صواريخ عابرة ومجرات متواترة للابتكارات المذهلة.

ذلك أن التلاميذ الذين جئنا لتحسيسهم، يمتلكون من الخبرات والمعارف ما يجعلنا في حيرة من أمرنا للوهلة الأولى. لقد ساد اعتقاد أولي أننا نقدم بعض التوجيهات الأساسية حول كيفية التعامل مع الأخبار المنشورة عبر “السوشل ميديا”. واحتمالية الصدق الخطأ من الصواب فيها. وأشرنا على ضرورة ترك مسافة بينها وبين التقاسم الجارف عبر المنصات لأنها تحتمل الخطأ في الجزء الكبير من حمولتها. لكننا والحقيقة تقال وجدنا أمرا مختلفا تماما. فهذه المعلومات لم تعد تبهر التلامذة. ليظل السؤال الإشكالي المفتوح هو تحديث معارفنا نحن المؤطرين أنفسنا. لأن تلاميذ العصر السيبراني ليسوا صفحة تواصلية بيضاء وبريئة كما يعتقد البعض. وأن نوعية المعلومات التواصلية المقدمة لهم سوف تبهرهم وترسم الدهشة على محياهم. لقد أصبح ذلك من الماضي. لقد تأكد بالملموس أن ما نملكه من معلومات في هذا الصدد. وما راكمناه بعد سنوات من التجربة والتماهي، تملكه تلامذتنا وتفوقوا فيه جزئيا أو كليا في أشهر قليلة. ليظل راهن ومستقبل منصات التواصل الاجتماعي وآفاقها، وتهيئاتنا المريضة حول تأثيرها وتداعياتها الخطيرة على الناشئة محور أسئلة مفتوحة قابلة للتعديل وعلى كل الاحتمالات.

وجاءت المفاجأة المربكة. إذ بعد عودتي إلى فاس مساء اليوم نفسه. كتبت على صفحتي أن تقريرا حول النشاط طور الإعداد، لأفاجأ بأحد تلامذة الورشة. كان سباقا لكتابة تقرير مكثف حول النشاط مستوفيا لكافة الشروط والآليات الأساسية في بناء الخبر الصحفي.

وعلى سبيل الختم. فإن من يستحق تقديم شهادة مشاركة صادقة في حقه والاحتفاء به وتقديم الشكر الجزيل له في نهاية الورشة ليس مؤطرها ولا مدير المؤسسة أو الأساتذة المشرفين. وإنما التلامذة الثلاثون الذين حضروا بكثافة. وتسلحوا بالجرأة وتحدثوا بصدق وبموضوعية وأبدوا رأيهم في منصات التواصل الاجتماعي التي يزورونها ويعرفون أدق التفاصيل عنها.

لقد ساهم ذلك بكل تأكيد في تكسير تلك الصورة النمطية التي كانت سائدة عن تمثلات منصات التواصل الاجتماعي في أذهان الناشئة. ولعل التقرير الذي أنجزه الزميل الصحفي 11 سنة بعد نهاية الورشة ونشره مساء اليوم نفسه على صفحته بـ”فيسبوك” كان مثالا وقدوة ومدعاة للفخر. وسأكون صادقا ومشحونا بكثير من الحب والتقدير والعرفان لتلميذ استطاع أن يجعلني أشكك في خبرتي في التعامل مع الخبر الصحفي، ليس بكونه تجربة تطلبت مني سنوات، بل لسرعته وذكائه الخارق على التمكن والاستلهام والتطبيق لما عاينه في ساعات معدودة. لذلك أعتبر الورشة ناجحة تنظيرا وتنزيلا وهي في مجملها مفيدة وناجحة ومحمسة وعلى جانب كبير من الفخر والاعتزاز.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...