الدعم الاجتماعي ما بين المغرب والبرازيل

رصد المغرب

في إحدى حواراته قال الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا ما يلي: “ينزعج بعض أصدقائي المتعلمين عندما أقول ذلك. لكن المعلم الأول في حياتي كانت امرأة ولدت أمية وماتت أمية: إنها أمي. ومع كل الاحترام الواجب للخبراء الأكاديميين، فإنهم يعرفون قليلا للغاية عن الفقراء…”. بالفعل حين توليه السلطة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2002، شكك خبراء كثر في جدوى خطط الدعم الاجتماعي المزمع تنفيذها من طرفه، ولم يؤمنوا بنجاعة فكرة الدعم المالي المباشر للأسر وحذروا منها واعتبروها غير مناسبة للفقراء، وبدلا من ذلك أوصوا بالدعم غير المباشر عبر السلع والخدمات، على اعتبار أن الفقراء لا يحسنون التصرف بأموالهم. عكس هذه النظرة السلبية تجاه الفقراء هي بالضبط ما سيتعلمه الخبراء من لولا كما علمته أمه!

انطلق إذن ما سمي حينها بالبرازيل بصندوق الأسرة الذي كان يهدف إلى دعم الأسر بمبلغ مالي بسيط، لم يتجاوز في إحدى المراحل مبلغ 65 دولارا، وفق شروط صارمة أهمها انضباط المستفيدين لتدريس أبنائهم والتأكد من تطعيم أطفالهم دون سن السابعة بما يلزم لحمايتهم من الأمراض، وأيضا حصول الأمهات على الرعاية الطبية اللازمة رفقة أطفالهم. بعد عمليات إصلاح متتالية، أثبت هذا البرنامج فعاليته وانخفض صوت المشككين عندما انتشل ملايين الأشخاص من الفقر المدقع الذي كان يقض مضجعهم. ليصبح هذا البرنامج نموذجا يحتذى على المستوى العالمي وتم تبنيه على نطاق واسع من طرف العديد من الدول والمنظمات العاملة في مجال التنمية البشرية ومحاربة الفقر، واعتبر أهم مخطط في هذا المجال بعد طفرة اليابان.

في ما تبقى من أسطر، سنحاول عقد مقارنة سريعة بين صندوق الأسرة البرازيلي وبرنامج الدعم المغربي وسنعتمد بالدرجة الأولى على محدد أساسي متعلق بالتعليم وبعض المؤشرات الإحصائية.

تبنى المغرب على غرار الكثير من الدول برامج إصلاحية كثيرة من أجل النهوض بأوضاع الفقراء، أو من هم في وضعية هشة كما يحلوا للمسؤولين المغاربة ترديده، وتحسين مستواهم المعيشي، ولعل أحدثها وأكثرها شمولية ما يطلق عليه وطنيا: “برنامج الدعم الاجتماعي المباشر”، المستمد من التجربة البرازيلية. من حيث الغايات المعلنة ليست هناك اختلافات جوهرية بين هذا البرنامج وصندوق الأسرة البرازيلي، فكلاهما يعملان على محاربة الفقر ويعتمدان على طريقة الدعم المالي المباشر وفق شروط محددة. لكن الملاحظ أن الرئيس لولا عندما باشر هذا المشروع الاجتماعي الرائد كانت له أهداف كبرى تتجاوز ما هو باد، وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال شرط أساسي يجبر كل المستفيدين على إلحاق أبنائهم دون سن الخامسة عشرة بالمدارس مع ضمان نسبة حضورهم في فصول الدراسة لا تقل عن 85%. هنا يتضح جليا أن أفكار الرجل التقت مع نتائج أبحاث كثيرة حول ما نسميه هنا: توريث الفقر، حيث أثبتت دراسات عديدة وجود علاقة وطيدة بين المستوى الاقتصادي للآباء وما يجنيه أبناؤهم. كما أن الأسر الفقيرة تدفع بأبنائها عموما نحو العمل المبكر ولا تكثرت كثيرا بالتعليم. لذلك كان شرط التمدرس محاولة جادة لكسر حلقة الفقر المتوارث. في برنامج الدعم الاجتماعي المغربي، هناك أيضا شرط التمدرس وقد تم تخصيص دعم مالي للأسر عن كل طفل متمدرس. لكن الملاحظ أن هذا الشرط لا يؤدي بالضرورة إلى إيقاف الدعم ولم يتم ربطه بنسبة حضور معينة أو بمؤشرات قابلة للقياس والمقارنة، مما يفتح الباب واسعا أمام ممارسات غير لائقة تلتف على هذا الشرط.

من ناحية المؤشرات الإحصائية، تبدو العلاقة واضحة بين صندوق الأسرة البرازيلي والنتائج المحققة ويكفي هنا أن نشير إلى بعض الأرقام على سبيل المثال لا الحصر: انخفاض عدد الأطفال الذين يضطرون إلى العمل بدل الذهاب إلى المدرسة بنسبة %14، وتحسنت بذلك نسبة تمدرس هذه الفئة بالنسبة ذاتها، زيادة معدل التطعيم بنسبة %99، انخفاض نسبة الوفيات بين الرضع بحوالي 40%. بالنسبة لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، المؤشرات الإحصائية المتوخاة من تطبيقه غير واضحة وغير معلنة وبالتالي لا يمكننا الحكم عليه من خلال أرقام غير متوفرة.

أكيد أن هناك اختلافات أخرى كثيرة تنهل من بيئة وثقافة المجتمعين ونظاميهما السياسيين، لا يتسع المقام لذكرها. كما أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لا يزال في بدايته وسيخضع لتحيينات وتعديلات متواصلة لتلائم تطور المجتمع المغربي ولتدارك الصعوبات التي ستعتري تطبيقه مستقبلا. بيد أننا يمكن أن نشير مبدئيا إلى بعض العناصر غير الواضحة بما يكفي والتي ستؤثر سلبا على العملية برمتها إن لم يتم علاجها في وقتها ويمكن تلخيصها في نقطتين أساسيتين:

الأولى، كما أشرنا سابقا، لها علاقة بطبيعة الأهداف المرجوة التي يستحسن صياغتها على شكل أرقام ومؤشرات قابلة للتحليل والمناقشة لتسهيل عملية التتبع والتشخيص والكشف عن الاختلالات ومعالجتها في وقتها دون انتظار نهاية المخطط كما حدث في برامج سابقة، ومن شأن ذلك توفير الجهد والمال وتقليص حظوظ الفشل والرفع من جودة النتائج.

الثانية تتعلق بالتعليم العمومي الذي يعاني من مشاكل جمة لا حصر لها وإذا أردنا الارتقاء فعلا بتلك الأسر التي تعيش الهشاشة وضمان حق أبنائها في مستقبل مغاير لما يعيشه آباؤهم، لا بد لنا أن نسارع في بناء نظام تعليمي عمومي قادر على تقديم حد أدنى من الجودة وضمان الأمن للتلاميذ والأطر. ولا نعتقد أن هذه الأسر قادرة على التوجه نحو المدارس الخصوصية التي باتت أسعار خدماتها تلهب جيوب الطبقات الوسطى ولنا أن نتصور حال من هم أدنى منهم دخلا. لذلك نعتقد أن إصلاح المنظومة التعليمية في شموليتها كفيل بجر عربة الدعم الاجتماعي المباشر والمضي بها قدما إلى بر الأمان.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...