لبنان مثل مصباح صغير لكنه يضيء مساحة أكبر من حجمه

انفجار بيروت اليوم إنذار بالخطر المحدق بهذا البلد الصغير. تزامن الانفجار مع موعد انعقاد المحكمة الدولية للبث في اغتيال رفيق الحريري عام 2005 يدل على أن الفاعل والقاتل قد يكون واحدا. في حال تبث تورط حزب الله فقد يعود لبنان إلى ما قبل الطائف.
لبنان مثل مصباح صغير لكنه يضيء مساحة أكبر من حجمه، وأبعد، وأسرع. دائما هذا البلد مجسة. لم ينفصل أبدا عن سوريا وكان ذلك عامل قوته، لكن أيضا عامل ضعفه. عندما بدأ تفكيك ما سمي الهلال الخصيب بدأوا به. وعندما أرادوا خلق مشكلة الأقليات بدأوا به. وعندما أرادوا استخراج نخبة ثقافية عربية مسيحية تنادي بالتغريب بدأوا به. وعندما أرادوا خلق الفتنة الطائفية بدأوا به. عرفت بريطانيا قيمته وفرنسا قيمته فوضعا نقطة ارتكاز البركار فيه في اتفاقية سايكس بيكو. وعرفت أمريكا قيمته فأرسلت المارينز فهزم هنالك. وعرفت إسرائيل قيمته فدخلته عام 1982، العام الذي انتحر فيه خليل حاوي هروبا من المأساة. وعرفت سوريا قيمته فدخلته. وإيران قيمته فخلقت حزب الله وقبله حركة أمل في الجنوب. وكان لبنان في الحرب الأهلية خليطا غريبا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن أدنى النزول إلى أقصى العلو. وكنا نقرأ الصحف في الثمانينات ونحن تلاميذ فنرى رجلا اسمه انطوان لحد يعلن ولاءه إلى إسرائيل من داخل لبنان. مسيحي صهيوني عربي كان مقدمة لما سيأتي وقد أتى وسيذهب كما ذهب السيد أنطوان لحد، لكن بعد دماء غزيرة كما فعل أنطوان لحد.
وقد صنع لبنان قسما كبيرا جدا من الثقافة العربية المعاصرة. ولولا لبنان ما كان هناك فنان اسمه مارسيل خليفة، وربما كان سيكون مغنيا شعبيا في الأعراس. ولولا الحرب الأهلية ما غنى العرب لفيروز وما عرفوا الرحابنة. ولولا غزو بيروت بالجيش الشاروني لما كان هناك شاعر اسمه محمود درويش. نعم عرف الناس درويش بفلسطين و”سجل أنا عربي”، لكنها لا شيء أمام “أحمد الزعتر” و”مديح الظل العالي” و”بيروت”، وهذه الثلاثة هي درويش والباقي مجرد قصائد. وكنت أحفظ أحمد الزعتر عن ظهر قلب من كاسيت بيضاء اللون، ملقاة بصوت الشاعر مثل حجرة ملقاة في الشارع، كما كنا نحفظ أزجال فؤاد نجم مغناة بصوت الضرير.
رحم الله الشهداء وسلم لبنان من كل خبث سياسي.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...