الدور الروسي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي: الفُرَص والتحديات

Rassd Maroc

تتطلع روسيا للعب دور محوري ومؤثر في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تشهد المنطقة تنامياً في التهديدات الإرهابية، وخاصة بعد الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المالي بوبكر كيتا في 18 أغسطس 2020، بينما تواجه فرنسا التي تقود الجهود الأوروبية والغربية تحديات متزايدة في مجال مكافحة الإرهاب.

محفزات الدور الروسي في منطقة الساحل

  • دوافع سياسية: تسعى موسكو للحصول على دعم الدول الأفريقية لسياستها الخارجية في الأمم المتحدة. وتعمل أيضاً على الالتفاف على الضغوط الأوروبية بعد ضم القرم، وتوظيف قضية الهجرة غير الشرعية في المنطقة كورقة ضغط سياسي، بهدف تخفيف العقوبات الأوروبية عليها.
  • دوافع اقتصادية: تعمل موسكو على عرض مساعدتها العسكرية لدول المنطقة مقابل الحصول على الموارد الطبيعية؛ فالكاميرون وتشاد ونيجيريا غنية بالنفط والغاز. وتمتلك مالي وبوركينا فاسو مناجم ذهب، وتخضع العديد منها في مالي لسيطرة التنظيمات الارهابية، في حين أن النيجر غنية باليورانيوم، وتتطلع روساتوم للطاقة النووية المدنية Rosatom’s forays لدخول سوق اليورانيوم في هذا البلد. لذلك من المرجح أن يكون الدعم العسكري الروسي مشروطاً بحصول موسكو على حصة من الموارد الطبيعية في هذه البلدان.
  • دوافع عسكرية: تعتبر روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وقد صدَّرت إلى أفريقيا 17% من صادراتها من الأسلحة خلال الفترة 2015-2019، وتستحوذ على 37.6% من سوق السلاح الأفريقي، بينما تستحوذ الولايات المتحدة على 16%، وفرنسا على 14%، والصين على 9%. ولذلك تعمل موسكو على زيادة مبيعاتها العسكرية لدول المنطقة، وقد أعلنت شركة “روس أوبورون إكسبورت” Rosoboronexport الروسية المملوكة للدولة، عام 2019 “عام أفريقيا”، وأبرمت صفقات بيع أسلحة مع العديد من الدولة الأفريقية، لاسيما بوركينا فاسو وأنغولا ومالي ونيجيريا.

آليات الدور الروسي في منطقة الساحل

  • توقيع اتفاقيات تعاون عسكري وأمني مع العديد من دول الساحل، لاسيما بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وتسمح هذه الاتفاقيات لروسيا بتقديم برامج تدريب وتعليم وطب لأغراض عسكرية. فمثلاً، تنص اتفاقية التعاون العسكري مع النيجر على التعاون في جهود مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات العسكرية والسياسية وقضايا الأمن الدولي.
  • دعم التيارات السياسية المناهضة للدور الفرنسي في منطقة الساحل، فعلى سبيل المثال ترعى روسيا كيمي سيبا، وهو شخصية أفريقية مشهورة بسبب آرائه المناهضة للدول الغربية. وتشكل أفكاره رأياً عاماً مناهضاً للنفوذ الفرنسي في المنطقة.
  • دور مجموعة “فاغنر” الروسية، وهي ذراع روسيا العسكري في أفريقيا، وتنشط في العديد من الدول الأفريقية، لاسيما أفريقيا الوسطى وليبيا وموزمبيق. وقد أعلن وزير الدفاع المالي السابق، الجنرال إبراهيم ضاهرو ديمبيلي، خلال جلسة برلمانية في نوفمبر 2019، عن وصول “فاغنر” الروسية إلى مالي لتقديم دعم تقني للقوات المسلحة المالية.

فُرَص الدور الروسي في منطقة الساحل

  • مأزق الدور الفرنسي في الحرب على الإرهاب في المنطقة؛ فبرغم الوجود العسكري الفرنسي الكثيف (5100 جندي)، لكن فرنسا لم تستطع حتى الآن وقف الأنشطة الإرهابية أو تقليصها. ولكي تظل فرنسا قادرة على مواجهة هذه التنظيمات فإنها بحاجة إلى دعم الدول الأوروبية التي لا تزال مُترددة في دعم الجهود الفرنسية تلك.
  • تنامي التأييد السياسي والشعبي للدور الروسي في المنطقة؛ فمثلاً، دعا روش مارك كريستيان كابوري، رئيس بوركينا فاسو، روسيا للانضمام إلى “الشراكة الدولية من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل”، وفي تصريح للرئيس التشادي، إدريس ديبي، شدد فيه على “أن دعم روسبا أمر حيوي لتعزيز الاستقرار الإقليمي … “. كما طالب بعض مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، مثل مجموعة الوطنيين الماليين، بتدخل روسي، وخرج الآلاف من الماليين بعد انقلاب أغسطس الماضي وطالبوا بدور روسي في مكافحة الإرهاب.
  • تراجُع الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الساحل؛ حيث تتجه الولايات المتحدة إلى إعادة انتشارها العسكري والتركيز على مناطق محددة من القارة الأفريقية. وتقدر تكاليف الدعم الأمريكي في غرب أفريقيا بـ 45 مليون دولار سنوياً، ولم تعد وزارة الدفاع الأمريكية مهتمة بإنفاق هذه الأموال على مهام تعتبرها خارج نطاق التركيز الاستراتيجي لها.
  • تراجُع أداء الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية؛ فمن المرجح أن تحاول روسيا السيطرة على طريق الهجرة الرئيسي الذي يعبر منطقة الساحل وشمال أفريقيا، إذ يتسبب ارتفاع عدد المهاجرين في أزمة هجرة جديدة، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن استغلاله وتوظيفه سياسياً من قبل روسيا.

تحديات الدور الروسي في منطقة الساحل

  • العقوبات الأمريكية التي تلاحق مجموعة “فاغنر” الروسية بسبب الاتهامات الأمريكية لها بتجنيد المرتزقة وإرسالهم للقتال إلى جانب الروس الانفصاليين في أوكرانيا. وقد سبق أن اتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، روسيا ببيع أسلحة إلى دول أفريقية مقابل التصويت في الأمم المتحدة.
  • اتهامات بعض الجهات الأفريقية لموسكو باستخدام أساليب وطرق فاسدة لممارسة نفوذها على الدول الأفريقية، لاسيما دور شركة “فاغنر” في عقد صفقات تكتيكية مع معارضي الحكومات عندما يتعلق الأمر بتأمين الوصول إلى الموارد.
  • تحديات مرتبطة بالتنافس الدولي على الموارد في المنطقة، لاسيما مع الصين وفرنسا والولايات المتحدة، حيث تمثل المنطقة ساحة نفوذ تاريخية لفرنسا (المستعمرات السابقة). وبرغم اتجاه الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري، لكنها لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية في هذه المنطقة، لاسيما القاعدة الأمريكية في النيجر. وقد تجد الصين في الدور الروسي تهديداً لمصالحها ولنفوذها المتزايد في القارة الأفريقية عموماً، وهو ما قد يتسبب في ظهور بعض الخلافات مع بكين، ويعوق انتقال موسكو وبكين من التعاون التكتيكي إلى التوافق الاستراتيجي في أفريقيا.

مستقبل الدور الروسي في منطقة الساحل

السيناريو الأول: تنامي الدور الروسي في المنطقة؛ ويعني أن تتجه روسيا لإرسال قوات إلى المنطقة في إطار جهودها لمكافحة الإرهاب، لاسيما في ظل التحديات التي تواجه الجهود الفرنسية، وتنامي دعوات سياسية وشعبية في الداخل الأفريقي لروسيا بالتدخل في مجال مكافحة الإرهاب. وفي المقابل، ستحاول فرنسا تجنُّب إظهار رد فعل تجاه الدور الروسي في المنطقة، وستعمل على تكثيف مشاركتها الاقتصادية والاجتماعية لتقديم نموذج متميز للتعاون. وبرغم ذلك، فإن موسكو تواجه تحديات عديدة لتعزيز جهودها وحضورها في المنطقة، لاسيما في ظل انخراطها العسكري في سوريا وأوكرانيا وليبيا ودول أخرى، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الروسي الذي أضعفته العقوبات الأوروبية بعد ضم شبه جزيرة القرم.

السيناريو الثاني، دور روسي محدود في المنطقة؛ ويعني أن تقصر روسيا تدخلها العسكري على تقديم مساعدات محدودة في مجال التدريب وتشكيل قوات خاصة لمكافحة الإرهاب، لاسيما وأن روسيا تدرك أن لفرنسا مصالحها الاقتصادية التي ترغب في حمايتها في المنطقة وإبعاد المنافسين منها. وقد حذَّر الرئيس الفرنسي ماكرون في قمة باو (يناير 2020)، من تدخل “دولة ثالثة” في أفريقيا من خلال المرتزقة، في إشارة واضحة إلى روسيا، واتجهت فرنسا بعدها لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة. وإذا كانت هناك إرادة من جانب موسكو لإقامة شراكة جديدة مع أفريقيا، فليس معنى ذلك أنها تريد المزيد من المشاركة بما يتجاوز ما تم الإعلان عنه بالفعل، وخاصة أن الكرملين لم يستجِب بعد بشكل إيجابي لدعوة دول الساحل للإنضمام إلى تحالف دولي ضد الإرهاب.

خلاصة

تعمل روسيا على استغلال الأوضاع الأمنية المتردية في منطقة الساحل الأفريقي من أجل تعزيز وجودها الأمني والعسكري هناك، وتُوجِّه في هذا الإطار انتقادات لعجز الدول الغربية عن القضاء على التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة. وبصرف النظر عمَّا تقوله موسكو، فإنها تتطلع في الواقع، وكغيرها من القوى الدولية، إلى الحصول على نصيب وافر من الموارد والثروات النفطية والتعدينية التي تزخر بها منطقة الساحل، وهذا يعني أنها ستواجه تحديات الوجود الغربي الذي لن يسمح لها إلا بدور محدود، وعليه فمن المتوقع أن تؤدي المساعي الروسية لزيادة نفوذها ودورها في الساحل الأفريقي إلى تنامي سياسات التنافس الدولي في المنطقة إجمالاً.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...