عن تسريبات هيلاري كلينتون

العرب مرة أخرى في ماكينة الانتخابات الأمريكية، وخصوصا مصر، حيث الانقسام الاجتماعي والسياسي على أشده. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداهية، فتح البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأسبق هيلاري كلينتون، البريد الخاص بالعمل، ونشر ما يبدو أنه رسائل متبادلة بينها وبين أوباما حول الربيع العربي، والموقف من أحداث مصر وجماعة الإخوان المسلمين والجيش المصري وميدان التحرير. ترامب جمهوري وكلينتون وأوباما من الحزب الديمقراطي. الجمهوريون أرادوا بنشر تلك الرسائل القول بأن الديمقراطيين في عهد أوباما كانوا يدعمون الإخوان المسلمين في مصر.
الإعلام المصري، وهو إعلام ركيك جدا وفيه أخطاء لغوية وفنية، تلقف الموضوع وحركه يمينا ويسارا ليسمع صوته. ولأن الموضوع لا صوت فيه، لأنه باهت جدا، فإن هناك بعض المعلقين الجهابذة من أعار صوته إليه. من هؤلاء شخص يدعى مصطفى بكري الذي طالب ومعه آخرون بأشياء خطيرة جدا من الناحية اللغوية، لكنها تكشف أن الموضوع فعلا فيه صناعة. لقد قال هؤلاء إنه يجب محاكمة هيلاري كلينتون، وقال بكري لا بل يجب محاكمة الإدارة الأمريكية السابقة كلها، وقال آخر: بل يجب يا قوم محاكمة الحزب الديمقراطي.
وهكذا نكون في مستشفى للأمراض العقلية.
ونحن نكتب هذا الكلام لا لغرض معين بل لأن السياسات العربية اليوم أصبحت مثيرة للسخرية والذل والمهانة، ولكي نوضع أمورا لعلها تخفى على بعض القراء، الذين سألنا بعضُهم عن الموضوع، الذي بلا صوت.
ترامب يريد توظيف الحكاية لتقسيم المسلمين الأمريكيين في الداخل، الذين يصوتون عادة للحزب الديمقراطي، ومنهم كثيرون أعضاء في هذا الحزب. فهي قضية أمريكية ـ أمريكية، لكن مصر دخلتها لأن فيها كلمتين قبيحتين. وعندما تسمع “أقطاب” الإعلام في مصر يطالبون بمحاكمة هيلاري كلينتون، لا بل الإدارة الأمريكية السابقة كلها، لا بل الحزب الديمقراطي كله، فاعلم أن في الأمر تمثيلية سخيفة.
والأكثر من ذلك أن بعضهم طالب. طالب بماذا؟ طالب بإعادة محاكمة الإخوان في ضوء “الأدلة” الجديدة التي ظهرت. وهكذا يلعب ترامب لعبة خطرة بمحاولة إدخال مصر العريقة حروبا جديدة لتدميرها من الداخل.
الإعلام المصري والأقطاب يقولون إن إدارة أوباما قدمت دعما للإخوان المسلمين، الكلمتين القبيحتين، ولكن أمريكا لم تقدم دعما للإخوان فقط، بل للجميع. وقد حكم الإخوان عاما واحدا فقط، بينما نظام حسني مبارك حكم مصر 31 سنة، وكان يتلقى سنويا مليار و550 مليون دولار دعما ماليا صافيا، إضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي وغيره. ومصر هي ثاني بلد بعد إسرائيل يستفيد من الدعم المالي الأمريكي، وهذا منذ 1979 تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد. فالإدارة الأمريكية تدعم الجميع، ولكنها في الغالب تدعم الجميع ضد الجميع، وهذه هي الفوضى الخلاقة، التي وضعت للدول الخرقاء.
وقد أضحكني مولانا مصطفى بكري، حين وصف الربيع العربي بالربيع العبري، نسبة إلى إسرائيل. وهذا دليل قوي جدا على أن البشر العربي اليوم صار يقول أشياء لا يؤمن بها إطلاقا، وخاصة النخبة البشرية العربية، فهي يمكنها أن تتعشى في إسرائيل وتعود إلى النجف لتقول لك إنك رأس التطبيع يا زلمي.
حال العرب مؤسف جدا، يتقاتلون ويقتلون بعضهم بعضا. يوزع عليهم عدوهم السكاكين والمقدات بمقابل باهظ، ثم يلف من الشارع الثاني ويأتي لكي يتوسط بينهم ويذكرهم بالماء والملح. نسأل الله أن يحفظ بلدنا وأمتنا ويرد كيد الكائدين في نحورهم.

شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...