المغرب-مصر : التحالف الضروري

 

حين قلنا منذ بضعة أسابيع أن التحولات التي تعرفها منطقة مينا ( الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ) كبيرة جدا وتتعلق بصراع كوني ، ظن البعض أننا نتكلم بدافع الحماسة أو المبالغة ، وبعد متابعة التفاعلات مع تلك المقالات ، تبين لي أنه من المفيد جداً إلقاء المزيد من الضوء والتفصيل على هذه الأحداث ، وخصوصا في ظل التصريحات غير البريئة لكل من الغنوشي ومقري ، متزعمي التيار الإخواني في كل من تونس والجزائر (والذي تحتضن تركيا قيادته المركزية سياسيا وإعلاميا ) والهادفة إلى استبعاد المغرب من اتحاد المغرب العربي مع إلحاق تكتل ليبيا-تونس-الجزائر بأنقرة ، وعلاقة كل ذلك بالأزمة الطارئة على العلاقات المغربية الألمانية .

كنا نعرف أن الغيبوبة التي تعيشها الغالبية الساحقة من ” المحللين ” الاستراتيجيين المغاربة ، بسبب حرصهم على التطبيل والتطبيل فقط ، وبُعدهم عن الموضوعية والدقة ، وعدم متابعتهم وتدقيقهم في ما يجري ، سيقودنا إلى فهم خاطيء للأحداث الحالية والمستقبلية بسبب جهل واضح بالأحداث الماضية ، ولذلك سأعود كما يقول المغاربة لتوضيح الأمر ب ” الخشيبات ” : في سياق توالي الاكتشافات النفطية والغازية في حوض البحر الأبيض المتوسط وخصوصا في الجزء الجنوبي الشرقي منه ، التأم منذ سنوات قليلة ( يناير 2019) ما صار يعرف لاحقا أي منذ سبتمبر 2020 ب” منتدى غاز شرق المتوسط ” ، وهو تكتل طاقي ومنظمة اقتصادية جمعت في البداية بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل ثم التحقت بها كل من مصر فالأردن وإيطاليا ، ويوجد مقرها حاليا في القاهرة ( لأسباب سياسية وجيواستراتيجية ولوجستية واضحة قد نتناولها لاحقا ) ، قبل أن يشهد المنتدى التحاق الإمارات العربية المتحدة كعضو ” ملاحظ” في دجنبر 2020 والواقع أن دور الإمارات يتجاوز ” الملاحظة” بكثير ، طبعاً قد يقول البعض وما علاقة الإمارات بشرق المتوسط ؟ ونجيبه أن الأمر منذ البداية يتعلق بعملية إعادة ترتيب رقعة مينا كاملة ، وأما شرق المتوسط فليس إلا ساحة المعركة القادمة بين جبابرة العصر ، وستمتد هذه المعركة لاحقا وبالضرورة إلى غرب المتوسط ) ، أما عمليا فإن الإمارات والسعودية متواجدتين بقوة في شرق المتوسط وليبيا تحديدا منذ موت القذافي إن لم يكن قبل ذلك .

وبالإضافة إلى الإمارات والسعودية وبالضبط في بحر سنة 2020 ، تم الكشف عن إجراءات التحاق كل من فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، رسمياً بدعوى تمويل المجهودات المتعلقة بالتنقيب عن الطاقة وتصديرها ) ولكن الحقيقة أننا بصدد تعزيز تكتل مبرمج سلفاً في سياق الحرب بين العمالقة ( الولايات المتحدة من جهة والصين-روسيا من جهة أخرى ) ، تكتل بدأ بالطاقة وسينتهي بالقواعد العسكرية المتقدمة … نعم القواعد العسكرية ، والدليل هنا ، ما قامت به فرنسا بذريعة تعزيز قدرات الأطراف المنتمية لهذا المجال الجغرافي ، حيث قامت ببيع اليونان ثمانية عشر طائرة رافال ، نعم ثمانية عشر طائرة جد متطورة ودفعة واحدة وفي ظرف قياسي حيث لم تأخذ المفاوضات حول الصفقة سوى بضعة أسابيع ، ومن الواضح أن إبرام هذه الصفقة لم يتم لسواد عيون اليونان ولكن لشرعنة مشاركة باريس الفعلية في هذا المنتدى ولتعزيز قدرات الحلف القادم في منطقة مينا والذي يعتبر نواة تحول جيوستراتيجي كبير في المنطقة ….

ولأن انضمام فرنسا لهذا المحور سيجعل منها طرفا في قوة طاقية كبيرة مطلة على البحر الأبيض المتوسط ويمَكّنها بالتالي من استعادة ريادتها الأوروبية على حساب ألمانيا ، فقد قامت هذه الأخيرة بما يجب عليها من مناورات للحصول على موطأ قدم في المنطقة وقد كان لها ذلك أو كاد ، عبر القفز على الملف الليبي ، والذي اقتحمته دون تردد ، وبحكم حاجتها لشريك في المنطقة فقد قررت أن تتوجه منطقياً نحو تركيا ( العدو اللذوذ لكل من اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وحتى إسرائيل إلى حد ما ) وهو ما يفسر بيع ألمانيا لتركيا ست غواصات من طراز 214T بمبلغ مليارين ونصف المليار ، زيادة على موقف ألمانيا الداعم لتركيا في الاتحاد الأوروبي والذي يعرقل فرض عقوبات على أنقرة بسبب مناوشاتها شرق المتوسط تحديداً . كما أن روسيا التي باعت أنقرة النظام الصاروخي S400 ليست بعيدة عن هذا الحلف . مما يفسر تغاضي روسيا عن الدعم الذي قدمته تركيا لأذربيجان في حربها مع أرمينيا ، هاته الحرب التي كان الغرض منها ضمان موطىء قدم ثابت لأنقرة من أجل حماية أنبوبي الغاز : TANAP القادم من أذربيجان و Turkstream القادم من روسيا .واللتان تهدف من خلالهما تركيا لأن تصبح مركزا إقليميًا لتوزيع الغاز بين آسيا وإفريقيا وأوروبا .

في مقابل محور اليونان-مصر-إسرائيل هذه الترتيبات أسفرت عن بقاء الجزائر على الهامش بحكم اصطفافها السياسي والإيديولوجي تاريخيا إلى جانب روسيا والصين مما دفع ألمانيا وتركيا لمحاولة ضمها إلى الحلف الألماني التركي ، ولإقناعها بذلك ليس هناك أفضل من التلويح أمامها بملف الصحراء المغربية ، ولأن تركيا التي تعيش الأمَرّين مع حزب العمال الكردستاني لا تستطيع الإعلان عن دعمها العلني للجزائر والبوليساريو فقد تكلفت ألمانيا بذلك نيابة عنها ، وهو ما يفسر عداء ألمانيا ومناوراتها ضد المغرب من جهة ، وينبأ بأن ألمانيا لن تتراجع عن هذا الخيار وهذا العداء إلا بإيجاد موطىء قدم لها في شمال إفريقيا ، وبالتالي هذا يفرض على المغرب ، زيادة على الحزم الدبلوماسي ، الكثير من المرونة الاستراتيجية بالتعاون مع حلفائه في أوروبا وأمريكا لفتح قنوات التعاون رابح-رابح مع ألمانيا .

أما انخراط السعودية والإمارات في ليبيا فليس مرده النفط الليبي فقط ، على أهميته الكبيرة ، ولكن مرده إلى الحقول الجديدة من النفط والغاز التي يتم اكتشافها سنويا في عرض البحر شرق المتوسط ، والتي تفسر الصراعات الدائرة في ذلك المجال الجغرافي بين تركيا واليونان ومصر وإسرائيل ، وحيث إن هذه الأخيرة تعتبر عضوا رئيسيا لا يمكن تأسيس حلف مينا الجديد بدونه ، فقد صار التطبيع ممرا إجباريا لإتمام هذه الترتيبات الجيوستراتيجية . بقي أن نتناول وسط كل هذا ، موقع ودور المغرب في هذه المعادلة ، وحيث أنه من الواضح أن هذا التكتل الطاقي لا يمكنه ولا يريد المرور عبر شرق المتوسط وتركيا تحديداً من أجل تصدير النفط والغاز ، وحيث أنه من الواضح كذلك أن المنفذ الأكثر واقعية هو المرور عبر غرب المتوسط ، وحيث أن من الواضح أخيرا أن غرب المتوسط يعني المرور عبر الميناء المتوسطي لطنجة تحديدا والذي يشتمل أصلا على قطب مخصص للمنتوجات النفطية والغازية ويحتل موقعا استثنائيا في الربط بين شرق وغرب المتوسط وجنوب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والجزء الأكبر من القارة الإفريقية ،

فإن المغرب صار بالضرورة يعتبر طرفا أساسيًا في هذه المعادلة الجيوستراتيجية ، بما يعني أننا مطالبين بالاستجابة لهذا التحدي الجيوستراتيجي ، تحديدا من خلال إيجاد البنية السياسية وطنيا ودوليا والبنية الدبلوماسية والبنيات التحتية والترسانة التشريعية بكل أنواعها لمسايرة هذا الزخم القادم من كل الجهات ، وإذا كان ترتيب الشأن السياسي لتعزيز الجبهة الداخلية سارٍ بالفعل على قدمٍ وساق ، فإن الجانب الدبلوماسي يتطلب منا الانفتاح بسرعة وفعالية على كل من جمهورية مصر العربية وعلى إسرائيل وتعزيز العلاقات والتحالف معهما حول مشروع تعاون استراتيجي أورو- متوسطي من جهة ، وتفعيل الاتفاقات الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا لإفشال محاولات بناء جبهة مناهضة للمصالح الحيوية للمغرب .

 


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...