محمد بنعيسى الرئيس الأبدي لبلدية مدينة أصيلة

ارتبط إسم محمد بنعيسى الرئيس الأبدي لبلدية مدينة أصيلة وممثلها في البرلمان لسنوات طويلة، بمهرجان أصيلة الثقافي الدولي، الذي قام بتأسيسه سنة 1978. والذي كان يستدعي إليه شخصيات وقامات ثقافية كبيرة من عالم الفكر والفن والأدب. ما ساهم في تحويل مدينة أصيلة إلى قبلة للثقافة والمثقفين والسياحة، طوال أزيد من أربعة عقود.
وقد كان للمدينة ومهرجانها المذكور أفضال كثيرة على الرجل، فقد ساهمت بشكل كبير في إشعاعه وتسليط الأضواء عليه، وبالتالي تعيينه من طرف الحسن الثاني وزيرا للثقافة سنة 1985، ثم بعد ذلك سفيرا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1993، ليتوج هذا المسار كوزير للخارجية سنة 1999.
لكن يبدو من غريب الأمور، أن التقاء الثقافة والسلطة في مسار الرجل، لم يكن له كبير أثر إيجابي في نحت وتهذيب شخصيته. فقد صنعت منه طاغية منتفخ الذات، متسلطا في مدينة أصيلة، التي أصبحت أشبه ما تكون بضيعة في حكم نفوذ الرجل. يفعل فيها وبها ما يشاء، من دون أن يردعه رادع.
ولعل من آخر فتوحاته في مجال استعراض السلطة والنفوذ، والتعبير عن بؤس وضيق وضحالة تأثير الثقافة والفكر في شخصيته، ما كشف عنه قبل بضعة أيام، بعد تجديد انتخابه رئيسا للمجلس البلدي للمدينة من وجه بشع قبيح، وجه طاغية متسلط، يفتقر إلى أبسط أخلاق الإحترام، وجْه لا أثر فيه لا للثقافة، التي طالما ظل يسوقها في مهرجانه المعلوم لسنوات طويلة ولا يحزنون. وجه طاغية مستبد ومتسلط ومنتفخ الذات، لا يتسع صدره لاي رأي مخالف، ولا حتى لمقاطعته أثناء حديثه. ما يدفع إلى الإعتقاد بأن مهرجان الثقافة المذكور، كان متاجرة بالثقافة وليس قناعة راسخة لدى الرجل. لا لشيء، سوى لأن الفعل الثقافي الحقيقي، لا ينتج مثل هذه السلوكات المرضية.
ففي اول اجتماع للمجلس المذكور، وخلال مناقشة القانون الداخلي للمجلس، وتحديدا أحد بنوده الذي كان يستهدف منه السيد الرئيس، وهو المثقف الكبير، تقييد حرية الصحافيين في حضور أشغال المجلس. قام بتعنيف لفظي وسب فاضح لمستشار شاب عضو في المجلس المذكور، كان يريد الادلاء برأيه المخالف للرئيس في مناقشة القانون المذكور، وذلك أمام مرأى ومسمع باشا المدينة، وجميع أعضاء المجلس البلدي. فقد قام بداية بقمعه ومنعه من الإدلاء برأيه كعضو في المجلس بطريقة عنيفة فجة غير لائقة، ووصفه “بالوقح” بل وهدده باستخدام العنف قائلا: “أنا غانوض ليك”. هذا قبل أن يقوم بطرده مستخدما عبارة منحطة، تعود إلى العصور الوسطى. لا تليق لا بمركزه كرئيس لمجلس المدينة منذ عقود، ولا كوزير سابق للثقافة والخارجية، ولا بتاريخ تنشيطه للشأن الثقافي لسنوات طوال. فقد خاطبه بالقول: “طلعو (خرّْجو) عليا هاذ الكلب برّا “!!!!
لم يحرك الأمر ساكنا في رجل السلطة ولا في المستشارين وجميع الحاضرين، الذين لم يفعلوا شيئا أمام جبروت الرجل وتسلطه. بل لم يتم تحريك أي مساءلة في حقه، لردع هذا السلوك الأرعن وهذا الاستهتار بتدبير مؤسسة عمومية، وإهانة وإذلال مستشار جماعي منتخب خلال ممارسته مسؤوليته الانتخابية. رغم حضور رجل السلطة الأول في المدينة (الباشا) لحادثة القمع والإعتداء الفاضح.
والغريب في الأمر أنه لم تمر سوى أيام قلائل على هذه النازلة وهذه الفضيحة، حتى فوجئ الرأي العام الوطني، بانتخابه عضوا في مجلس المستشارين. كما لو أنه تمت مكافأته على هذا الأسلوب المتسلط والمنحط، الذي كشف عنه بجلاجل. بل وأنه كان يطمع في ترأس الغرفة الثانية ممثلا لحزب البام. علما أن الرجل قد أصبح طاعنا في السن (84 سنة) يكاد لا يصلح لغير التفرغ لصحته وعبادته.
إن هذه النازلة في الحقيقة، ليست واقعة فردية محدودة ومعزولة. بل تمثل الشجرة التي تخفي الغابة، ذلك أن ظاهرة صناعة السياسة للطغاة، تكاد تكون ظاهرة عامة. حتى قد أصبح لكل منطقة ومدينة طغاتها ومتسلطيها، الذين يصولون ويجولون في نطاق نفوذهم بمدنهم وقراهم وجهاتهم. والذين عوض أن يتحولوا إلى خدام لمواطنيهم الذين أوصلوهم إلى مواقع المسؤولية وواجهة الإهتمام. تجدهم متى ما تمكنوا من مواقع السلطة والنفوذ، ومتى ما آنسوا في أنفسهم بعض التمكن، تحولوا إلى أدوات تسلط وتجبر، بل وأحيانا إلى أدوات اعتداء وقهر وتطاول، دون أن يردعهم رادع، كما لو أنهم فوق القانون.

شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...