ملف..”دبلوماسية الطاقة” كيف بخّر المغرب خطط الجزائر بتحالفات أوروبية؟

رصد المغرب

باشرت المملكة لأول مرة عملية نقل الغاز إلى أراضيها عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا، الذي كان إلى حدود نهاية أكتوبر الماضي، يستخدم في توريد إسبانيا بالغاز الجزائري، قبل أن يُقرر نظام تبُّون التصرف بصفة “أحادية” ويعلن قطع علاقات بلده مع المغرب ويُجبر على إثر ذلك شركة “سوناطراك” بعدم تجديد عقدها وتمزيق أي اتفاقية غاز مستقبلية، في محاولة من الجارة الشرقية لعزل المغرب طاقيا.

المغرب يتحرّك “صامتا”

من جانبه، المغرب لم يقف مكتوف الأيدي، ذلك أن رياح هذه القطيعة السياسية المخللة بطابع العداء الممنهج، كانت قد هبّت عليه منذ أشهر سبقت أكتوبر 2021، ليبدأ مباشرة في ما يمكن تسميته “دبلوماسية الطاقة”، حيث عمد إلى تنويع مصادر تزويده وتوقيع اتفاقيات بالجملة مع عدد من الدول ذات السيادة الطاقية في مجال الغاز الطبيعي بما فيها شريكه الأول الولايات المتحدة الأمريكية بصفة متسارعة وصامتة في ظل التحولات الجيوسياسية وأزمة الطاقة العالمية بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا والحرب الدائرة التي أرخت بظلالها على الأسعار في السوق العالمية.

وكانت فكرة إعادة تشغيل أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي في الاتجاه المعاكس من إسبانيا نحو المغرب، على طاولة المفاوضات التي جمعت مدريد والرباط قبيل عودة العلاقات إلى “أفضل” من عهدها السابق، بحيث اتفق الطرفان على وحدة الصف لمواجهة التحولات المذكورة وضمان السيادته الطاقية للبلدين. فمن جهة،  سيستفيد المغرب من تشغيل محطتيْ توليد الكهرباء بشمال البلاد المتوقفتين عن العمل منذ تعليق عمليات تسليم الغاز عبر خط الأنابيب القادم من الجزائر باتجاه الجارة الشمالية، ومن جهة ثانية  ستستفيد إسبانيا بدورها من الأنبوب المذكور من خلال إعادة تحويل الغاز المسال الأمر الذي سيمكن مدريد من تحقيق طموحها في أن تصبح مركزًا أوروبيًا للطاقة، باعتبارها دولة متخصصة في “إعادة تحويل الغاز القادم من أوروبا ومن الولايات المتحدة الأمريكية نحو إفريقيا”.

طموح إسباني وتفعيل مغربي

وبهذا الخصوص، أكد الخبير الاقتصادي الإسباني ألدو أولسيسي، أن مراهنة إسبانيا على مصالحها مع المغرب وتفضيلها له كان أفضل خيار اتخذته حكومة بيدرو سانشيز، وصفقة مربحة ستعود بالنفع على البلد الإيبيري والقارة على حد سواء.

وأوضح أولسيسي، في حوار أجراه مع صحيفة “إل إنديبيندينتي” الإسبانية، بأن بلده يسعى لأن يكون مركزا للطاقة بمساعدة الرباط، مشيرا إلى أن الأزمة المفتوحة مع الجزائر لن تدفع نحو تخلي إسبانيا عن طموحها في أن تصبح مركزًا أوروبيًا للطاقة على حساب إيطاليا، التي أبرمت في الأشهر الأخيرة اتفاقيات غاز مهمة مع الجزائر، ذلك أن “إسبانيا ستُؤكد مكانتها كدولة إعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز، مع مصانعها السبعة لإعادة تحويل الغاز الخام، وستكون قناة مناسبة جدًا للغاز الذي يأتي من الولايات المتحدة، بحيث تتمتع بقدرة تنافسية هائلة باعتبارها موردا أكثر موثوقية من الجزائر، وأكثر أمانًا وحليفًا حقيقيًا ومخلصًا”.

ويرى الخبير في الاقتصاد المالي بالأكاديمية الملكية للعلوم الاقتصادية والمالية “RACEF”، أن الرباط ستُساهم بشكل كبير في تمكين إسبانيا من الدور الجديد المفترض بفضل “أنبوب ربط قوي للغاية سيزود أوروبا، وكذلك الدول الأوروبية الأخرى التي ستميل تدريجياً إلى خفض إمداداتها من الغاز من الجزائر وروسيا. فيما وبالنسبة للغاز الأمريكي المعاد تحويله إلى غاز في إسبانيا وتصديره إلى أوروبا، ستتم إضافة الكهرباء النووية المنتجة في المغرب والموزعة إلى أوروبا عن طريق كابل الربط المغربي لشبه الجزيرة”، مشيرا إلى أن “الطاقة النووية ذات حدين، بحيث أن الغاز وإعادة تحويل الغاز إلى غاز إلى أوروبا عبر إسبانيا سيكونان بداية لاستقلال أوروبي موثوق في مجال الطاقة دون الاعتماد على روسيا أو الجزائر”.

المغرب وإسبانيا (رابح-رابح)

واتفاقية “رابح-رابح” بين المغرب وإسبانيا لم تدشّن فقط لعهد جديد من العلاقات الثنائية “غير المسبوقة” بعد أزمة دبلوماسية طوى الطرفان صفحتها شهر مارس الماضي، بل أسست لعلاقات جيدة بين مدريد وواشنطن، عقب برود غير مسبوق في العلاقات، لاشك وأن المغرب كان طرفا في عودتها إلى سابق عهدها.

وبدأت إسبانيا لأول مرة، مطلع الشهر الجاري، بنقل الغاز إلى المغرب، والذي لم يكن غازا جزائريا، بحسب تقارير متفرقة نقلا عن مصادر في وزارة التحول البيئي الإسبانية، التي كشفت أن الشحنة الأولى من الغاز المسال التي تم إرسالها “اشتراها المغرب من الأسواق الدولية ووصلت إلى محطة إسبانية لإعادة تحويلها إلى غاز طبيعي”.

والشحنة موضوع الجدل كان مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تفريغها في محطة إعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز في بلباو الإسبانية، لإعادة إرسالها لاحقا في خط أنابيب الغاز المغاربي، لتعبر مضيق جبل طارق نحو الأراضي المغربية.

المغرب يُشغّل محطتي توليد الطاقة

من جانبه، أعلن المغرب إعادة تشغيله محطتيْ توليد الطاقة ذات الدورة المركبة بكل من تهدارت وعين بني مطهر، باستخدام الغاز الطبيعي المسال المستورد من السوق الدولية.

وأوضح بلاغ للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أن تزويد المحطتين سالفتي الذكر بالغاز الطبيعي يتم تأمينه بواسطة أنبوب الغاز المغرب العربي – أوروبا من خلال الربط المشترك للغاز بين المغرب وإسبانيا وفق تدفق عكسي.

وأبرز المصدر ذاته أن المملكة المغربية تؤمن بالتالي إمداداتها من الغاز الطبيعي من خلال إبرام عقود شراء الغاز الطبيعي المسال في السوق الدولية وباستخدام البنيات التحتية للغاز للفاعلين الإسبان وخط أنبوب الغاز المغرب العربي-أوروبا.

إسبانيا في قلب التحديات الأوروبية

وبهذا الخصوص، ثمّن رئيس الدبلوماسية الإسبانية، خوسيه مانويل ألباريس، هذه الشراكة “المتميزة” بين مدريد والرباط، مشيرا إلى أن شحن بلده الغاز نحو المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية على حد سواء يؤكد الدور الأساسي والكامل لإسبانيا على خريطة الطاقة الأوروبية.

وأورد ألباريس، في حوار أجراه مع صحيفة “لافانغوارديا” الإسبانية، أن مدريد تتوفر على 50 بالمئة من القدرة على إعادة تحويل الغاز (تحويل الغاز المسال إلى غاز) في كل أوروبا، لافتا إلى أن بلده مستعد للتعاون مع جيرانه، وبالتالي سيرسل الغاز إلى المغرب، والذي تم إعادة تحويله إلى غاز سابقًا في مصانع البلد”.

وأشار وزير الخارجية الإسباني، إلى أن بلده يرسل الغاز إلى فرنسا عبر إقليم الباسك ونافارا، وهذا ما يدخل أيضا في إطار التوصيلات الجديدة عبر الحدود “خط أنابيب غاز Midcat” وباتصال برشلونة-ليفورنو الذي تم تضمينه بالفعل في الخطط الأوروبية.

وأضاف أن أوروبا تواجه تحديًا كبيرًا، وإسبانيا على استعداد للمساعدة في قدرتها الكبيرة على استقبال الغاز الطبيعي المسال.

وردا على سؤال عما إذا كانت الجزائر قد أُبلغت بشحنة الغاز المرسلة نحو المغرب، أشار رئيس الدبلوماسية الإسبانية إلى أن “وزير الانتقال البيئي (الإسباني) هو الذي يتعامل مع قصر المرادية، وكانت الرسالة التي نقلتها الجزائر هي أن الغاز الجزائري مخصص للاستخدام الحصري لإسبانيا، وقد تم الوفاء بذلك” على حد تعبيره.

ألمانيا تدخل على الخط

من جهة أخرى، كشفت شركة الطاقة الألمانية العملاقة “RWE”، أنها ستزود المغرب بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب الغاز المغاربي، مشيرة إلى أنها مستعدة لبدء تسليم هذه الشحنات.

وبحسب ما كشفته شركة إنتل للطاقة، فإنه بعد تشغيل خط أنابيب الغاز مطلع يونيو الجاري بعد توقف عدة أشهر بسبب قرار الجزائر قطع الإمداد لأوروبا عبر هذا المسار، فسيتم إجراء الشحنات بمجرد الحصول على التصاريح الرسمية للتمكن من تنفيذها.

وزارة الطاقة تنهج أسلوب الهروب ومصدر يوضح لـ”مدار21″

وحاولت “مدار21” مرارا التحقق من هوية البلدان التي يعول عليها المغرب لتزويده بالغاز، لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، غير أن “الصمت” وتجاهل حق الصحافة في الوصول إلى المعلومة يبقى طاغيا على سياسة الحكومة الحالية.

من جهة أخرى، أكدت مصادر خاصة لـ”مدار21″، في الوزارة الوصية فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن المغرب بالفعل نوع اتفاقياته في مجال الغاز وذلك وفقا للعرض المطروح في السوق الدولية.

وبخصوص حقيقة تعاقد المغرب مع ألمانيا، أكدت المصادر ذاتها المعلومة، مشيرة إلى أن شركة الكهرباء الألمانية ستبدأ في إرسال بعض شحناتها إلى محطات إعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز في إسبانيا من أجل استخدام خط أنابيب الغاز المغاربي لاحقًا كبوابة إلى المغرب.

عن مدار 21


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...