السياحة الإيكولوجية في تغدوين .. مؤهلات طبيعية فريدة ونقوش تاريخية

رصد المغرب

يعـد القطاع السياحي فـي المغرب أحد المحركات الرئيسـية للتنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر، باعتباره من بين القطاعات ذات الأولوية فـي الاقتصاد الوطني عامة وبجهة مراكش أسفي خاصة، بفضل مساهمته فـي الناتج الداخلـي الخام، غير أنه مازال غير مستغل بما يكفي، من قبيل عدم تثمين الخبرات المحلية للفاعلين في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ومن أجل استغلال الثروات التي يزخر بها الوسط القروي بشكل أفضل، تسعى هسبريس إلى تسليط الضوء على السياحة الإيكولوجية بجماعة تغدوين كنموذج قروي في بإقليم الحوز.

ولأن تطوير التنمية السياحية القروية مشروط بسلسلة من الشروط، فما هي الإمكانيات التي تزخر بها هذه الجماعة التي توجد بوسط جبلي؟ وكيف يمكن النهوض بالسياحة الإيكولوجية وتثمين الموارد الطبيعية التي يزخر بها هذا الوسط القروي؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن الإمكانيات الكبيرة والمتنوعة لهذه الجماعة؟ وإلى أي حد تتوفر الجماعة على البنية التحتية المساعدة على ولوج القرى والمناظر الطبيعية؟.

عبد المجيد مراد، مرشد سياحي أوضح أن “المؤهلات التي يمتاز بها إقليم الحوز عامة، والجماعة الترابية القروية خاصة، متنوعة، منها ما هو طبيعي وأركيولوجي، وهي شروط تحفز على تأسيس سياحة إيكولوجية بالمنطقة؛ لكن إلى حد الآن يصعب الحديث عن ذلك، في وقت يحضر هذا الموضوع في نقاشات وكالات الأسفار والمرشدين السياحيين، بشكل ثانوي، وكورقة للترويج لمنتجهم، ما ينعكس سلبا على وضعية السكان الذين يعيشون في الدواوير المنتشرة بجبال الأطلس الكبير، ولا يساعدهم على تجاوز الهشاشة والفقر المدقع”.

وفي لقاء مع هسبريس، قال المرشد السياحي ذاته: “لنجاح السياحة الإيكولوجية شروط يجب الأخذ بها من طرف الزبون، الذي عليه أن يكون في مستوى معين من الوعي والأخلاق، لوجود ميثاق شرف ينص على عدم إلحاق الأذى بالبيئة الطبيعية للمنطقة، كفضاء ‘ياكور’ الذي يضم نقوشا تعود إلى ما قبل التاريخ”، وزاد: “المناطق الرطبة لا تعار أي عناية، ما يؤدي إلى تغير النظام البيئي بانقراض أنواع من النباتات (plante endémique)”.

وواصل المتحدث ذاته: “على زائر هذه المناطق التي تضم مظاهر طبيعية، تشكل رأسمالا للسياحة القروية، محاربة التلوث، وتجنب تبذير الماء، واحترام إنسانها من خلال احترام تقاليده”، مضيفا: “هذه هي السياحة التي نريدها بهذا الفضاء السياحي، إلى جانب إحداث متاحف تعرف بالموروث الثقافي، وإحداث مدرات سياحية، وتثمين المنتجات المحلية”.

عبد الكريم واشيخ، رئيس جمعية أسافو للتنمية، أوضح خلال لقاء نظم بجماعة تغدوين لإعداد برنامج عمل الجماعة أن “للتنمية المستدامة عدة مداخل، منها السياحة الإيكولوجية أو القروية؛ لذلك يجب إحداث مدارات سياحية داخل هذه الجماعة من أجل تثمين الغنى الإيكولوجي لتغدوين”، مردفا: “لهذا وضعنا برنامجا بالتنسيق مع السلطة المحلية، سيستغرق حوالي 4 شهور لتهيئة وصيانة المدار السياحي تغدوين عين سيدي وافي وتلاتاست”.

وفي دردشة مع هسبريس، أكد المتحدث نفسه أن السياحة الإيكولوجية أو السياحة البيئية “هي السياحة التي تعتمد على السفر بين المواقع الطبيعية التي تزخر بالتنوع الحيوي، من نباتات وحيوانات وبحار وأنهار وغيرها من الموارد الطبيعية، مع التحلي بروح المسؤولية في الحفاظ على البيئة وعدم الإضرار أو المساس بها، بهدف الاستمتاع والاكتشاف والمغامرة، لجعلها تساهم في زيادة الدخل المحلي والوطني”.

“نظرا لأن الاقتصاد السياحي يفرض تنويع المنتج الذي يقدم للزبون، فهذا التحدي تستطيع الجماعة الترابية القروية تغدوين أن تساهم فيه، لأنها تتوفر على مؤهلات كبيرة لإنجاح تنمية السياحة الإيكولوجية وفق إستراتيجية ستضاعف المداخيل وتحافظ على التنوع البيولوجي والبيئة؛ وهذا الهدف يحتاج إلى العمل بشكل جماعي والتعاون مع باقي المتدخلين، للتشجيع على الاستثمار بمنطقة فتية”، حسب عبد المجيد مراد.

مصطفى القاضي قال من جهته، في لقاء تواصلي بهذه الجماعة، إن الأخيرة “تتوفر على مؤهلات كثيرة، منها منطقة ‘ياكور’ التي تتميز بنقوش تعود إلى ما قبل التاريخ، وفضاءات طبيعية، لأن تغدوين توجد بين سلسلة جبال الأطلس الكبير؛ لكن مشكلة معالجة المياه العادمة تظل نقطة سوداء، تخدش السياحة الإيكولوجية”.

وأجمعت تدخلات عدة على أن تحقيق تنمية فعالة وشاملة يفرض العناية بعدة مجالات، من قبيل سياحة العلاج بالمياه المعدنية بعين سيدي وافي، وتشجيع الاستثمار وتنظيم معارض، وهيكلة مركز الجماعة، والعناية بالعمارة الأمازيغية، ومحاربة زحف الإسمنت، وتنظيم معارض للصناعة التقليدية، ودعم الاقتصاد التضامني، عبر تشجيع تأسيس التعاونيات.

“كل المناطق الخلابة بجماعتنا سهلة الولوج”، يقول أحمد أبرجي، رئيس جماعة تغدوين، مضيفا: “يعمل المجلس الجماعي على دعم البنيات التحتية عبر توطين عدة قناطر، وذلك في إطار شراكة بينه وبين مجلس العمالة، وصندوق محاربة الفوارق المجالية، ومنها أطول قنطرة بإقليم الحوز، على وادي الزات، أنجزت بتعاون مع صندوق محاربة الفوارق المجالية (450000 درهم)، حيث ساهمت الجماعة كحامل للمشروع بغلاف مالي يقدر بـ 8500000.0 درهم”.

“وبعدما ربطنا الجماعة بـ’إمين نرك’، الطريق الوطنية رقم 09، بتوسيع وتقوية الطريق، نعمل حاليا على تهيئة مركزها. وقمنا بإصلاح عين سيدي وافي، ذات المياه المعدنية”، يتابع المسؤول ذاته، مشيرا إلى أن “عدة قناطر فتحت، الأولى تهم دوار إكيس بمشيخة الزات، والثانية بمنطقة ‘مريوات’ بمشيخة تغدوين، مع قنطرة بتاصورت، وأخرى بوايفيرت بمشيخة أيت إنزال لوضا؛ بالإضافة إلى المنشئات الفنية الصغيرة على الشعاب”.

أما بخصوص معالجة المياه العادمة فإن النائب الأول لرئيس هذه الجماعة القروية الخلابة، مصطفى خراز، أوضح أن “الجماعة مستعدة لإنجاز محطة المعالجة، لكن المعضلة تكمن في عدم العثور على عقار لإنشاء هذا المشروع، ما دفع المجلس الجماعي إلى اللجوء إلى حل مؤقت، يتمثل في حفرة تؤدي مهمتها، في انتظار العثور على مكان لإنشاء المحطة”.

من جانبه، أكد مروان شويوخ، رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بالحوز، أن النهوض بالقطاع السياحي في الإقليم “يرتكز على الاستغلال الأمثل واللائق لمؤهلاته ولمجاله الجغرافي وللعامل البشري، عبر مقاربة تشاركية تضمن التنسيق بين جميع المتدخلين، من سلطات محلية ومجالس منتخبة ومجتمع مدني، وتضع نصب العين تحقيق إقلاع سياحي على مستوى جميع الجماعات الترابية بالإقليم”.

وواصل شويوخ، الذي يشغل رئيس لجنة السياحة بغرفة الصناعة والتجارة والخدمات لجهة مراكش آسفي: “يجب الاهتمام بالموروث الثقافي بالإقليم، والتعريف بمؤهلاته، والعمل أكثر على توطينها لإدراجها ضمن الخريطة السياحية الوطنية بهدف المساهمة في التنمية المحلية؛ لذلك فالمجلس الإقليمي للسياحة يعمل على بلورة الرؤية المستقبلية للسياحة بالإقليم، عبر وضع خطة عمل متكاملة، وفق نسق تشاركي، لإبراز مؤهلاته، وإعداد خريطة سياحية تفاعلية حول المناطق القروية التي تمتاز بتنوع إيكولوجي ومستدام يسحر الزائر”.

عن هسبريس


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...