المغرب/الجزائر منسوب الجنون ..من الزليج إلى الدرون

رصد المغرب

اندلعت مؤخرا مواجهة شرسة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعد الكشف عن أقمصة للمنتخب الجزائري، وعليها رسوم تحيل على “الزليج الفاسي”.

المواجهة لم تندلع بين مغاربة وجزائريين فقط كما هو متوقع، بل نشبت أيضا بين مغاربة يرون أن المسألة تستحق فعلا كل هذا الضجيج الإعلامي، ومغاربة يرون أن هناك مشاكل أولى بالاهتمام كالصحة والتعليم وغلاء الأسعار وقضايا الحرية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد وأشكال الريع.

إذا كان من الصعب جدا “التوفيق بين الفئتين”، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات:

– لا يستطيع أحد أن يفهم سر التصعيد الجزائري ضد المغرب في الشهور والسنوات الأخيرة، حيث هناك هوس لا ينقطع، عنوانه الرئيسي الهجوم على كل ما هو “مغربي” سواء بنية السرقة أو التبخيس أو الطعن، والزليج ليس استثناء.

هذا الوضع يؤدي تلقائيا إلى طرح السؤال: ما الذي يكسبه النظام الجزائري من هذا التصعيد، خاصة في زمن لم تعد فيه استراتيجيات إلهاء الداخل بتهديد خارجي وهمي، تجدي نفعا؟

– تعدد السرقات الأدبية، يكشف بأن الأمر يتعلق فعلا بـ”نهج” عام، وليس بحالات استثنائية أو معزولة.

المشكل أنه إذا كان الصراع على وصفات الطبخ -مثلا- يدخل في نطاق “المسموح به”، فإن التوغل في تزوير التاريخ أمر مثير للشفقة والاشمئزاز.

ففي قضية الزليج مثلا، سمعنا من يردد بأنه منتوج “كوني” عرفته مختلف الحضارات من البابليين إلى الأندلسيين، لكن هذا لا يمنع بأن اللمسة المغربية المتفردة، تجعل هذا الفسيفساء “البلدي” أو “الفاسي” جزء من تراث هذا البلد دون غيره، بدليل أن قصور ومساجد الخليج التي تزينت بهذا الزليج، استعانت بالصناع المغاربة، وليس بغيرهم.

بل إن الأمر لا يتطلب الاستعانة بشهادة الرئيس الراحل بوتفليقة الموثقة بالصوت والصورة في هذا الباب، لأن ساكنة المناطق الحدودية تعلم أن الإقبال في الجزائر على خدمات الحرفيين المغاربة، خاصة “الكباصة” منهم، لم ينقطع طيلة سنوات القطيعة وغلق الحدود، بل إن بصمة الصانع المغربي حاضرة رسميا حتى في مسجد الجزائر الكبير،

الذي تتجلى إبداعات وعبقرية الحرفيين المغاربة في محرابه مثلا .

– استخفاف البعض بهذه “المواجهة” ليس له ما يبرره، ليس لأن الأمر يتعلق فقط بسرقة أدبية “موصوفة”، بل لأن دول العالم المتحضر تعمل على صيانة تراثها بشتى الوسائل.

فالجُبن، الذي عرفته البشرية منذ زمن آدم، له تسمياته المحمية في أوروبا وأمريكا، ولم يقل أحد إن معالجة الحليب بطريقة ما، هي حق مشاع للجميع.

– إن الهوس بمعاندة المغرب، تجلى مرة أخرى، في المنافسة على تنظيم “كان 2025”.

فرغم أن الحد الأدنى من “الروح الرياضية” يفرض تغليب الحكمة، وترك المنافسة في حدودها الرياضية، إلا أننا لاحظنا كيف أن إعلام الجيران، حولها مبكرا إلى حرب، ومسألة حياة أو موت، بل إن بعض البرامج الرياضية الأكثر مشاهدة، حسمت الأمر نهائيا لصالح الملف الجزائري، فقط لأن “فخامة الرئيس أراد”، والحال أن الحصول على “شرف” التنظيم، يحتاج إلى كثير من الجهد، ولا يعتمد فقط على مستوى تأهيل البنيات التحتية من ملاعب وفنادق ومواصلات واتصالات، بل أيضا على فعالية التحرك الديبلوماسي، لأن المواقف في الرياضة أيضا تخضع للتحالفات وللمصالح العليا للدول.

وعلى كل فإن شحن الرأي العام المحلي، وتقديم الأمر كما لو كان معركة أو حربا ضد العدو الأبدي، ستكون له نتائج عكسية في حال فاز هذا “الجار”

-كما هو متوقع- بـ”شرف التنظيم”.

– من المفارقات أيضا، أن هذه “المعارك” الرياضية في ظاهرها، السياسية والديبلوماسية في باطنها، تزامنت مع إعلان وزير “داخلية” مخيمات تيندوف عن توفر “دولته” على طائرات مسيرة (درون) ستستعملها قريبا.

البعض أخذ هذه التصريحات على محمل الجد، والبعض الآخر، اعتبرها مدعاة للسخرية.

لكن من المهم هنا التذكير، أن التجربة الطويلة علمتنا، أن كافة شروط التصعيد متوفرة، فالسلاح موجود، مع القدرة على استعماله، إضافة إلى قدر لا يستهان به من جنون العظمة، ويبقى السؤال فقط عن منسوب “المغامرة” بالدخول في مواجهة من هذا المستوى.

لنتذكر كيف علق العاهل الراحل بسخرية على امتلاك البوليساريو لصواريخ سام، في وقت كانت حتى بعض الدول “الاشتراكية” تعجز عن امتلاكها، ليس بسبب كلفتها المادية فقط، بل لما تتطلبه من خبرات وتقنيات يصعب توفرها محليا، علما أن من كان يطلق هذه الصواريخ ضد الطائرات العسكرية المغربية هم الخبراء الكوبيون والفيتناميون والكوريون الشماليون.. وليس “بن بطوش” وجنوده.

ولا شك أن الأمر صار اليوم أكثر تعقيدا، لأن الطائرات المسيرة التي تدعي البوليساريو التوفر عليها، حتى إذا افترضنا أنها حصلت عليها بطريقة ما، تعفي المشتري الحقيقي من الالتزام ببند “المستخدم النهائي”، فالكل يعلم أن تشغيلها ليس في متناول من هب ودب، وأنها تحتاج إلى “مركز تحكم”.. وإلى خبراء، اللهم إلا إذا كان البعض يصدق أن الحوثيين مثلا، هم من يصنعون ويستعملون “الدرون” لقصف السعودية، وأن إيران تكتفي بالدعاء لهم ببركة “يا حسين”.

– تزامن إعلان البوليساريو امتلاكها طائرات مسيرة مع تصريح اتسم بحدة غير مسبوقة من الوزير بوريطة بخصوص التهديد الإيراني للأمن القومي العربي، وبدعم إيران للمليشيات الإرهابية، لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام، بل لابد من وضعه في سياقه العام المتسم خلال العقد الأخير تحديدا، باستغلال إيران لمليشياتها في المشرق العربي لإحراق أربعة دول عربية هي العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ولأن إيران لا تستطيع إرسال هذه المليشيات (من المجندين الأفغان وغيرهم خصوصا) بسبب إكراهات الجغرافيا، فيمكنها أن تمر من بوابة “البوليساريو” لإحداث بؤرة توتر جديدة.

قد يبدو هذا السيناريو مستبعدا جدا وحتى خياليا، لكن كما أشرت أعلاه، فإن كثيرا من الأمور يتحكم فيها منسوب الجنون لهذا العسكر الجزائري، ولا شيء غيره.

فعلى مدى الشهور الماضية، يمكن استقراء عشرات التصريحات الرسمية لمسؤولين كبار في هرم السلطة، مع استبعاد التهجمات المنتظمة والمتوالية للمليشيات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، حيث سيتضح أن الاتهامات الموجهة للمغرب ليست سوريالية فقط، بل يتطلب “ابتلاعها” تحوير المثل الشامي: “مجنون يحكي وعاقل يسمع”، ليصبح: “مجنون يحكي ومجنون يسمع”، لأنه السبيل الوحيد لفهم الجرأة على اتهام الجار بالعدوانية، وفي نفس الوقت سرقة تراثه علنا، وصرف المال العام على تسليح مليشيات وشراء الاعتراف بها كدولة، مع ما يتطلبه ذلك من تحمل تكاليف سفراتها وسفرائها..


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...