الوعي بأخلاقيات البحث العلمي

رصد المغرب

نشر موقع هسبريس أخيرا مقالا مفاده أن أكاديمية المملكة المغربية قد أجلت إصدار النسخة الورقية من العدد الأول من مجلتها العلمية، المخصصة لطلبة الدكتوراه في مجال العلوم الإنسانية بعد اكتشاف سرقة علمية في إحدى المقالات. والظاهر أن الأكاديمية وجدت أن البحث المعني سطا على أطروحة دكتوراه غير منشورة. ليست هذه المرة الأولى التي نرى فيها مقالا يتعلق بالسرقة العلمية أو الأدبية في المغرب. ففي 2019، نشرت هسبريس مقالا يتهم الدكتور عمر أحرشان بالسرقة الأدبية، وهو اتهام فنده الدكتور أحرشان جملة وتفصيلا. ثمة حالة أخرى تتعلق بتوجيه أكاديميين مغربيين تهمة السرقة العلمية المكشوفة للدكتور أحمد أيت لمقدم، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، عن مقال له يحمل عنوان “المشترك الإنساني في الرؤية القرآنية”. في مقال آخر اتهم الأكاديمي سعيد البوسكلاوي نظيره جمال راشق بسلسلة من السّرقات العلمية. وخلال الأيام الأخيرة قرأنا خبرا مفاده أن الدكتورة كريمة المجدولي قدمت شكاية إلى عميد كلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط تطالب فيها بفتح تحقيق بشأن سرقة أدبية لأبحاثها العلمية ونشرها في جريدة علمية دولية من طرف أستاذة مساعدة في الكلية ذاتها عن شعبة الكيمياء. على مستوى العالم العربي يمكن ذكر حالة الداعية السعودي عائض القرني الذي اتُّهِم في سنة 2012 بالاعتداء على الحقوق الفكرية للكاتبة السعودية سلوى العضيدان. غير أنه تبين بعد التحقيق أن محتوى كتابه “لا تيأس” تمت سرقته من كتاب نشرته الكاتبة في سنة 2007 يحمل عنوان “هكذا هزمت اليأس”. الكاتب نفسه تم اتهامه في سنة 2018 من طرف ورثة الأديب السوري عبد الرحمن رأفت الباشا بالسطو على محتوى كتاب “صور من حياة الصحابة” الذي ألفه والد الورثة. تبعا لذلك، تم تغريم المتهم مبلغ 122 ألف دولار أمريكي وتم سحب كتاب “لا تحزن” من التداول، ناهيك عن تشويه سمعة الداعية في الأوساط الفكرية والدينية… إلخ. يمكن للقارئ الكريم أن يجد العديد من حالات السرقة الأدبية والعلمية والفنية التي أدت في بعض الأحيان إلى إنهاء المسيرة العلمية والمهنية لباحثين وكتاب كبار، بل وحتى إلى إفلاس بعضهم.

السرقة الأدبية هي مجرد مثال واحد يجسد الاختلالات التي تخدش أخلاقيات البحث العلمي المعروفة في الأوساط الأكاديمية. وتضاف هذه الآفة إلى الاختلالات العميقة التي تنخر جسد الجامعة المغربية وساهمت وبدون شك في الانحطاط بالبحث العلمي إلى مستوى الحضيض الذي نعرفه في الوقت الراهن. ولكن من الإنصاف في الوقت ذاته، التذكير بأن هذه الآفة تعاني منها الكثير من المؤسسات البحثية في العالم، ولكن بدرجات متفاوتة. واعتبارا للعواقب الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن هذه المعضلة الخطيرة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات البحثية، ارتأيت، كباحث عايش بعض الحالات واشتغل لمدة كمنسق لجنة أخلاقيات البحث العلمي، ودرَّس مادة أخلاقيات البحث العلمي لطلبة الماجستير والدكتوراه، أن أتطرق بإيجاز في هذا المقال إلى بعض أنواع الإخلال بأخلاقيات البحث العلمي متمنيا أن يستفيد منه كل من له علاقة بمجال البحث العلمي وخاصة طلبة الدراسات العليا والباحثين الشباب. الهدف من هذا المقال هو رفع مستوى الوعي بهذه الآفة في الأوساط الأكاديمية أولا وأفراد المجتمع بصفة عامة.

دعونا في البداية نحدد معنى البحث العلمي. باختصار، يُعْنى بالبحث العلمي كل عمل إبداعي ومنهجي يتم إجراؤه من أجل زيادة مخزون المعرفة وابتكار تطبيقات جديدة للمعرفة المتاحة. بصفة عامة، وخاصة في العلوم التجريبية، تتبع المنهجية العلمية سلسلة من الخطوات وبروتوكولات معيارية صارمة تشمل 1) طرح السؤال، 2) مراجعة الأبحاث السابقة للاطلاع على ما نشر في الموضوع سابقا والتأكد من أن فكرة البحث جديدة، 3) طرح الفرضية أو المشكلة قيد الدراسة، 4) اختبار الفرضية بإجراء تجربة، 4) تحليل وتفسير نتائج التجارب، 5) صياغة الاستنتاجات، 6) تقديم البحث العلمي في المؤتمرات العلمية الدولية ونشره في المجلات العلمية المختصة والمحكَّمة.

الهدف الأساسي لجل الأبحاث العلمية هو إيجاد إجابة نهائية لفرضية معينة (في بعض الميادين مثل العلوم الإنسانية والاجتماعية يمكن لبحث علمي ان يكون استكشافيا أي لا ينطلق من فرضية) بهدف زيادة مخزون المعرفة وتحسين جودة عيش الإنسان. من هذا المنطلق، فإن البحث العلمي عمل شريف ونبيل. إذا كان الأمر كذلك، لماذا إذن نزعج أنفسنا بموضوع أخلاقيات البحث العلمي؟ الجواب على هذا السؤال الفلسفي ليس سهلا البتة، ولكن يمكن القول إن مجرد طرحك لسؤال بحثي مهم لا يعني أن السؤال أخلاقي. ولتوضيح هذه النقطة دعوني أضرب مثالا اعتمادا على سؤالين مهمين علميا، ولكن لن يكون أخلاقيا إجراء التجارب للإجابة عليهم.

1) فصل التوائم المتطابقين بعد الولادة لفهم التفاعل بين الطبيعة والتنشئة (علم الوراثة والبيئة). بمعنى آخر، نضع التوائم في عائلات وبيئات مختلفة لنرى إذا كانت شخصياتهم ستختلف أو أنها ستكون متشابهة نظرا لتطابق الخلفية الوراثية. بدون أدنى شك، هذا سؤال مهم علميا لفهم ما يحدد شخصية الإنسان، ولكن لا يجوز أخلاقيا فصل توأمين (بالمناسبة، تم إجراء هذه التجربة مرة واحدة في الواقع في ستينيات القرن الماضي في أمريكا من طرف الباحثين Peter NeubauerوViola Bernard، ولكن ذلك كان قبل تطبيق قواعد صارمة لمنع مثل هذه التجارب).

2) مبادلة الرحم، على سبيل المثال، لفهم ما إذا كانت جذور السمنة وراثية أو مرتبطة بالتغذية. في الواقع، تميل الأم البدينة إلى إنجاب أطفال يعانون من زيادة في الوزن، حتى قبل ظهور العوامل الغذائية، ويبقى السؤال: لماذا؟ للإجابة على هذا السؤال، اقتُرحت تجربة مبادلة الرحم والتي يتم من خلالها نقل البويضات المخصبة بين الأمهات البدينات والنحيفات. مرة أخرى، ستجيب هذه التجربة على سؤال علمي مهم جدا، ولكن القيام بها غير أخلاقي إطلاقا.

موضوع الأخلاق موضوع فلسفي أُلِّفت فيه كتب كثيرة وأنا لست مؤهلا للخوض فيه هنا، كما أنه بعيد عن هدف هذا المقال. ولكن باختصار شديد، يمكن تعريف الأخلاق على أنها قواعد السلوك التي تميز بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول في المجتمع. من المهم هنا التمييز بين الأخلاق والقوانين. بمعنى آخر، قد يكون إجراءٌ معين قانونيًا، ولكنه غير أخلاقي والعكس بالعكس. لتوضيح هذه الفكرة أكثر دعونا نضرب مثالين:

– القتل الرحيم للكلاب في ملاجئ الحيوانات، حيث يتم قتل الكلاب التي تتمتع بصحة جيدة كل يوم بسبب ضيق المكان أو نقص في التمويل… إلخ، في العديد من الدول هذا الإجراء لا يعاقب عليه القانون، ولكنه يظل غير أخلاقي.

– سرقة رغيف خبز لإطعام طفل جائع. هذه الحالة تعرف بالمعضلة الأخلاقية. السرقة تُعاقِب عليها كل القوانين، ولكن السرقة من أجل إنقاذ طفل من الموت جوعا يمكن اعتبارها مقبولة أخلاقيا نظرا للضرر الكبير الذي يمكن أن يترتب عن ترك الطفل جائعاـ مقارنة مع الضرر المحتمل أن ينتج عن سرقة رغيف الخبز.

تشمل أخلاقيات البحث العلمي تطبيق المبادئ الأخلاقية الأساسية على جميع مراحل أي نشاط بحثي علمي ابتداء من تصميم وتنفيذ البحث وانتهاء بنشره كمقال علمي في مجلة علمية أو بصورة كتاب. قد يتساءل المرء: لماذا نحتاج إلى معايير أخلاقية في مجال البحث العلمي. في الواقع الأسباب كثيرة ومختلفة، ولكن يمكن تلخيصها في النقط التالية:

تُعزِّزُ المعايير الأخلاقية أهداف البحث العلمي مثل المعرفة والحقيقة وتجنب الخطأ. على سبيل المثال، تُعزَّزُ الحقيقة بالحظر المفروض على تلفيق بيانات البحث أو تزويرها أو تحريفها.

تُعزِّزُ المعايير الأخلاقية القيم الأساسية للعمل التعاوني مثل الثقة، والمساءلة، والاحترام المتبادل، والإنصاف، والمبادئ التوجيهية للتأليف، وسياسات حقوق النشر، وبراءات الاختراع، وسياسات تقاسم البيانات.

تساعد المعايير الأخلاقية في ضمان مساءلة الباحثين أمام المواطنين وتوفير الدعم العام اللازم للبحث. من المرجح أن يمول الأشخاص ومؤسسات التمويل مشروعًا بحثيًا إذا كان بإمكانهم الوثوق بجودة البحث ونزاهته.

4) تُعزِّزُ العديد من معايير البحث مجموعة متنوعة من القيم الأخلاقية والاجتماعية الهامة الأخرى، مثل المسؤولية الاجتماعية وحقوق الإنسان ورعاية الحيوان، والامتثال للقانون، والصحة، والسلامة.

يمكن اختزال هذه المبادئ في النقاط التالية:

1- الأمانة: الباحث الذي يلتزم بالأخلاقيات هو من يظهر الصدق مع نفسه أولا ومع المجتمع العلمي. يجب عليه الإبلاغ عن الحقيقة عند عرض البيانات والنتائج واستخدام أساليب الدراسة.

2- الموضوعية: خلال سعيهم للعثور على إجابات عن الأسئلة، يجب على الباحثين أن يطمحوا إلى القضاء على التحيزات الشخصية (مثل تضارب المصالح)، والالتزامات المسبقة، والمشاركة العاطفية.

3- النزاهة: يجب على الباحثين إظهار اتساق الإجراءات والقيم والأساليب والمقاييس، والمبادئ، والتوقعات، والأخلاق.

4- الحذر: يجب على الباحث أن يسعى إلى تجنب الأخطاء والإهمال. وأن يفحص بدقة ونقد عمله وعمل أقرانه. كما يجب أن يحتفظ بسجلات جيدة لأنشطة البحث، مثل جمع البيانات وتصميم البحث والمراسلات مع الوكالات أو المجلات.

5- الانفتاح: هو مبدأ أساسي من مبادئ البحث العلمي. هذا المبدأ ضروري لتحقيق أهداف البحث العلمي وتمكين المجتمع من الاستفادة من نتائج البحث. يجب على الباحث الذي يلتزم بالأخلاقيات تقاسم البيانات والنتائج والأفكار والأدوات والموارد (مع بعض الاستثناءات مثل الأمن القومي). يجب أن يكون منفتحًا على النقد ومتقبلا للأفكار الجديدة.

6- احترام الملكية الفكرية: يجب على الباحث الذي يلتزم بالأخلاقيات احترام براءات الاختراع وحقوق التأليف والنشر وغيرها من أشكال الملكية الفكرية. يجب عليه تجنب الانتحال، والاعتراف بالفضل لمن يستحق وعدم استخدام بيانات الآخرين بدون إذن.

7- السرية: يجب على الباحثين حماية الاتصالات السرية، مثل الأوراق أو المنح المقدمة للنشر، وسجلات الموظفين، والأسرار التجارية أو العسكرية، وسجلات المرضى.

8- النشر المسؤول: يجب على الباحث أن ينشر أعماله من أجل النهوض بالبحث وإثراء المعرفة وليس فقط للتقدم في مسيرته المهنية. يجب تجنب النشر المسرف والمضاعف.

9- التأطير والتوجيه المسؤول: يجب على الباحث أن يسعى جاهدا لتعليم الطلاب وتوجيههم وتقديم المشورة لهم وتعزيز رفاهيتهم والسماح لهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم.

10- احترام الزملاء: يجب على الباحث احترام زملائه ومعاملتهم بإنصاف.

11- المسؤولية الاجتماعية: يجب على الباحث أن يسعى جاهدا لتعزيز الصالح الاجتماعي ومنع أو تخفيف الأضرار الاجتماعية من خلال البحث والتعليم العام. على الباحث أن يفهم أن المجتمع الذي يعيش فيه والمجتمعات البعيدة تتأثر في النهاية بالعمل الذي يقوم به.

12- عدم التمييز: يجب على الباحث تجنب التمييز ضد الزملاء أو الطلاب على أساس الجنسية، أو الجنس، أو العرق، أو أي عوامل أخرى لا تتعلق بكفاءتهم العلمية ونزاهتهم.

13- الكفاءة: يجب على الباحثين الحفاظ على كفاءاتهم وخبراتهم المهنية وتحسينها من خلال التعليم والتعلم مدى الحياة.

14- الشرعية: يجب أن تتوفر لدى الباحث دراية بالقوانين ذات الصلة والسياسات المؤسسية والحكومية وأن يلتزم بها. كما يجب على المؤسسات البحثية تنظيم دورات تدريبية للتعريف بهذه القوانين.

15- الاعتناء بالحيوان: يجب على الباحثين إظهار الاحترام والرعاية المناسبين للحيوانات عند استخدامها في البحث. قبل استخدام الحيوانات، يجب على الباحث أن يبحث في بدائل أخرى (مثل محاكاة الحاسوب؛ الحيوانات غير الواعية مقابل الحيوانات الواعية). يجب ألا تجرى تجارب حيوانية غير ضرورية أو سيئة التصميم.

الإخلال بأخلاقيات البحث العلمي آفة تعاني منها كل الدول ولم تنج منها حتى الجامعات والمؤسسات البحثية العريقة في الدول المتقدمة. والأمر الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب هو ارتفاع وتيرته في العالم الأكاديمي خلال السنين الأخيرة. حسب كثير من المهتمين يمكن حصر أسباب انتشار هذه الآفة في النقاط التالية:

1- ضعف الجهات الرقابية أو انعدامها في المؤسسات العلمية البحثية. يمكن القول إن هذا هو حال أغلب الجامعات في دول العالم الثالث والسائرة في طريق النمو.

2- انعدام الوعي بالعواقب التي يمكن أن تنتج عن هذه الظاهرة ليس على مستوى الباحثين فقظ، بل أيضا على مستوى المؤسسات العلمية والمجتمع ككل. تتحمل الجامعات مسؤولية معالجة سوء السلوك البحثي عند حدوثه ووضع سياسات وإجراءات لمنع حدوثه في المقام الأول. من هذا المنطلق تقع على عاتق المؤسسات البحثية مسؤولية تقديم دورات تحسيسية للطلبة والباحثين للرفع من مستوى الوعي بهذه الظاهرة والعواقب التي تنتج عنها.

3- قلة التمويل المتوفر للبحث العلمي. هذا الوضع خلق تنافسا شديدا على المنح البحثية، ويمكن أن يدفع ببعض الباحثين إلى استعمال بيانات مزورة أو سرقة أفكار باحثين آخرين لنشر أكبر عدد ممكن من المقالات العلمية من أجل زيادة فرص الحصول على المنح البحثية.

4- المنافسة على الترقية. ترقية الأساتذة الجامعيين والباحثين في الجامعات المرموقة ترتكز أساسا على عدد الأبحاث العلمية المنشورة وجودة المجلات العلمية التي تنشر فيها. للأسف، هذا الوضع يدفع بكثير من الباحثين لسلك طرق غير أخلاقية لزيادة عدد أبحاثهم المنشورة. لكن اكتشاف سوء سلوك في البحث بعد ترقية الشخص قد يؤدي إلى فقدان تلك الترقية أو حتى لوظيفته. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي سوء السلوك البحثي إلى الإضرار بسمعة الشخص ومصداقيته في المجتمع العلمي، مما قد يجعل من الصعب عليه العثور على وظيفة جديدة، ناهيك عن الحصول على ترقية.

هناك كثير من السلوكيات التي يمكن أن تُصَنَّف على أنها إخلال بأخلاقيات البحث العلمي نذكر منها ما يلي: saved

1- تلفيق وتزوير البيانات: تلفيق البيانات هو عملية إعداد البيانات أو النتائج والإبلاغ عنها كما لو كانت حقيقية. أما تزوير البيانات فهو عملية تغيير أو معالجة البيانات أو النتائج، إما عن طريق تغيير البيانات نفسها أو عن طريق تغيير طريقة عرضها. يعد تلفيق البيانات وتزويرها شكلا من أشكال سوء السلوك البحثي، حيث إنها تقوض سلامة عملية البحث ويمكن أن تؤدي إلى نشر معلومات خاطئة أو مضللة تترتب عنها عواقب وخيمة على المجتمع العلمي والأكاديمي، بما في ذلك الإضرار بمصداقية البحث، وإهدار للموارد، وإعاقة تقدم المعرفة. أحد أشهر حالات تلفيق وتزوير النتائج هي حالة الدكتور هوانغ وو-سوك (Hwang Woo-suck)، أستاذ وباحث في جامعة سيول الوطنية في كوريا الجنوبية. هذا الباحث صعد إلى الشهرة بعد أن ادعى سلسلة من الاختراقات الرائعة في مجال أبحاث الخلايا الجذعية. ففي عامي 2004 و2005، زعم أن فريقه قد نجح في تكوين خلايا جذعية جنينية بشرية من خلال الاستنساخ، وقد نشر أبحاثه في المجلة العلمية المرموقة ساينس (Science). ولكن بعد فترة قصيرة ظهرت ادعاءات من زميل له في العمل مفادها أن هذه الأبحاث تستند إلى بيانات ملفقة. وكانت النتيجة أن تم سحب الأوراق البحثية من النشر، وفقد الدكتور هوانغ منصبه في جامعة سيول الوطنية، وأنهت حكومة كوريا الجنوبية دعمها المالي والقانوني لأبحاثه.

هناك حالة أخرى مشهورة في الأوساط العلمية هي حالة الدكتورة Haruko Obokata من مركز Riken للبيولوجيا التنموية في كوبي باليابان. ففي يناير 2014 أعلنت عن اختراقين علميين في مقالتين نُشرتا في المجلة العلمية المرموقة Nature، حيث إن هذه الباحثة زعمت أنها طورت طريقة جذرية وسهلة بشكل ملحوظ لصنع الخلايا الجذعية، والتي يمكن أن تنمو إلى أي نسيج في الجسم. ومع ذلك، فقد أصبح هذا الاكتشاف موضع شك بعد أن فشل الباحثون في أماكن أخرى في تكرار عملها. اتضح بعد ذلك أن الدكتورة Haruko Obokata تلاعبت بالصور من تجربتين مختلفتين واحتفظت بجودة رديئة لملاحظاتها المعملية. في نهاية المطاف، تم سحب المقالين من النشر. والمحزن في القصة أن مدير الباحثة، الدكتور Yoshiki Sasai، أقدم على الانتحار في غشت 2014 لأنه لم يتحمل الفضيحة.

2- منشورات مكررة: النشر المكرر، المعروف أيضًا باسم “الانتحال الذاتي”، يحدث عندما يعيد المؤلف استخدام أجزاء كبيرة من أعماله المنشورة سابقًا دون الإسناد أو الإذن المناسب. يمكن أن يشمل ذلك نشر نفس الورقة في مجلات متعددة، أو إرسال نفس الورقة إلى مؤتمرات متعددة. يُعدُّ النشر المكرر مشكلة لأنه يمكن أن يؤدي إلى نشر معلومات قديمة أو زائدة عن الحاجة، ويمكن أن يضلل القراء أيضًا من خلال إعطاء الانطباع بأن البحث قد تم التحقق منه بشكل مستقل من قبل مصادر متعددة. تمتلك معظم المجلات والمؤتمرات سياسات معمول بها للتعامل مع النشر المكرر، وعادة ما يُطلب من المؤلفين الكشف عن أي عمل تم نشره مسبقًا له صلة بتقديمهم. من المتوقع أن يتبع الباحثون هذه الإرشادات وأن يستشهدوا بعملهم السابق بشكل صحيح عند الاقتضاء.

3- تجزئة المنشورات العلمية: ترتكز هذه العملية على تقسيم دراسة واحدة إلى أوراق متعددة من أجل زيادة عدد المنشورات. يمكن القيام بذلك عن طريق تقسيم الدراسة إلى عدة دراسات أصغر ونشرها بشكل منفصل، أو عن طريق نشر جوانب أو نتائج مختلفة للدراسة في أوراق متعددة. يصعب الكشف عن هذه المنشورات بشكل موضوعي بواسطة برامج معلوماتية، كما هو الحال بالنسبة للسرقة الأدبية التي يمكن اكتشافها ببرامج مثل iThenticate أوTurnitin ، وبالتالي فهي تشكل تهديدًا خطيرًا لأخلاقيات النشر.

4- الإهمال: يتطلب البحث المسؤول العناية بكافة تفاصيل التجارب المختبرية وتدوينها في دفاتر المختبر وحفظها في أماكن آمنة. كما يجب الحفاظ على ملفات الحاسوب المتعلقة بكل مشروع وكذا البيانات الخامة وحفظها في أكثر من مكان تحسبا لأي طارئ مثل حصول عطب محتمل في الحاسوب أو ضياعه أو سرقته. كقاعدة عامة، ينصح بالاحتفاظ بكل البيانات والنتائج الخاصة بأي منشور علمي مدة لا تقل عن خمس سنوات لأن من حق المجلة العلمية التي تنشر البحث أو المؤسسة البحثية أن تطالب بهذه البيانات إذا تم فتح أي تحقيق حول صحة البيانات أو ما شابه ذلك. من هذا المنطلق يتوجب على الأساتذة الباحثين أن يُعَلِّموا طلبتهم ويتأكدوا من أنهم وكل أفراد فريقهم البحثي يدونون تفاصيل التجارب ويحفظونها بطريقة جيدة. من حالات الإهمال المعروفة يمكن ذكرة حالة الباحث Jan Hendrik Schön،. هذا الباحث الألماني كان يشتغل في مختبرات بِيلْ (Bell Laboratries) وبرز لفترة وجيزة بعد سلسلة من الاختراقات الواضحة في ميدان أشباه الموصلات (semi conducteurs)، والتي نشرها في مجلات مرموقة مثل “Nature”. لكن أعضاء مجتمع الفيزياء وجدوا شذوذًا في بياناته وأكتُشِف لاحقًا أن هذه الاختراقات احتيالية. عندما طلبت لجنة عيَّنتْها مختبرات بيل نسخًا من بياناته الخامة لإعادة تحليلها، وُجد أن Schön (شون) لم يحتفظ بدفاتر معملية وأن جميع الملفات ذات الصلة قد تم تجاهلها أو حذفها من جهاز الحاسوب الخاص به. طُرد شون من مختبرات بيل وسُحبت كل ابحاثه المنشورة من مجلات مرموقة مثل Nature وScience وPhysical Review.

5- عدم احترام الملكية الفكرية: تشير الملكية الفكرية إلى الحقوق القانونية التي تحمي الأعمال الإبداعية، مثل الاختراعات والإبداعات الفنية والاكتشافات العلمية. من المهم احترام حقوق الملكية الفكرية للآخرين، حيث تساعد هذه الحقوق في حماية استثمار الوقت والمال والجهد المبذول في إنشاء أفكار وابتكارات جديدة. يعد عدم احترام الملكية الفكرية أسوأ إخلال بأخلاقيات البحث العلمي ويمكن أن يؤدي إلى الدخول في نزاعات قانونية مضنية ومكلفة خاصة عندما يتعلق الأمر باختراعات مهمة يمكن أن تباع في السوق بالملايين من الدولارات. وعليه، يجب على الباحثين أن يكونوا حذرين عندما يدخلون في تعاون بحثي وأن يحددوا إطارا قانونيا يحمي حقوقهم بناء على قدر مساهمتهم في البحث. على الباحثين أيضا أن يحترموا الملكية الفكرية لطلبتهم إذا شاركوا في أي بحث تنتج عنه براءة اختراع. في هذا الإطار يمكن ذكر حالة الطالب الباحث Fredric A. STERN الذي رفع قضية ضد جامعة كولومبيا الأمريكية يطالب فيها بإضافته إلى براءة اختراع عقار xalatan لعلاج الجلوكوما. للأسف، لم تستطع المحكمة إثبات وضعه كمخترع لأن الأستاذ المشرف عليه أتلف دفاتر ملاحظاته ليحرمه من حقه في براءة الاختراع. هنا مرة أخرى تظهر أهمية تدوين كل تفاصيل التجارب وحفظها في أماكن مختلفة والاحتفاظ بنسخة حتى بعد مغادرة المختبر أو الجامعة. خلاصة، يجب الاعتراف بفضل كل باحث كل حسب مستوى مشاركته سواء عندما يتعلق الأمر بالنشر أو تقديم براءات الاختراع.

6- السرقة الأدبية: وهي عملية نسخ عمل شخص آخر وتقديمه على أنه عمل خاص بالباحث. وقد ذكرنا في المقدمة بعضا من هذه الحالات. يمكن أن تكون هذه مشكلة خطيرة في الأوساط الأكاديمية والبحثية، لأنها تقوض سلامة عملية البحث ويمكن أن تضعف الثقة في المجتمع العلمي. هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تحدث من خلالها عملية الانتحال. على سبيل المثال، يمكن أن يتضمن ذلك نسخ نص بشكل حرفي من مصدر دون اقتباس مناسب، أو إعادة صياغة عمل شخص آخر دون ذكر الفضل، أو استخدام أفكار شخص آخر دون الاستشهاد بالمصدر بشكل صحيح. لتجنب الانتحال، من المهم أن يستشهد الباحث بشكل صحيح بجميع المصادر التي يستخدمها في عمله. من المهم أيضًا الاعتراف بالفضل للمؤلفين الأصليين لأي أفكار أو معلومات يستخدمها الباحث في عمله.

7- المؤلفون الضيوف: هم “مؤلفون” تجد أسماءهم في لائحة مؤلفي البحوث العلمية بدون أن يقدموا أية مساهمات ملموسة في البحث. يمكن أن يتخذ هذا صورة ولاء الباحثين تجاه المشرفين القائمين على المشاريع البحثية، مثل رؤساء الأقسام أو مديري المختبرات أو منسقي المنح، الذين يصبحون مؤلفين لمقالات دون تقديم أي مساهمات جوهرية؛ أو كوسيلة لتعزيز التقدير الذي تتلقاه الورقة عن طريق إضافة اسم بارز إلى قائمة المؤلفين. كما أن كثيرا من الباحثين يتفقون في ما بينهم عل إضافة أسماء بعضهم البعض في منشوراتهم العلمية بغض النظر عن قيمة المساهمة في البحث. للأسف، هذا الوضع منتشر بكثرة في جامعاتنا وهذا أمر لا يشرف أي باحث كان، وفوق كل شيء يعتبر إخلالا سافرا وخارقا لأخلاقيات البحث العلمي والنشر.

في النهاية، كباحث غيور على بلده، أتمنى أن تأخذ الجامعات المغربية والوزارة الوصية على البحث العلمي مسألة أخلاقيات البحث العلمي على محمل الجد من أجل الرفع من مستوى وجودة البحث العلمي في المغرب ومكانة الباحث المغربي ليكسب ثقة المجتمع العلمي الأكاديمي العالمي. يجب على جميع الجامعات والمؤسسات البحثية المغربية إنشاء مكاتب للنزاهة البحثية الخاصة بها بحيث يتم الاهتمام بجميع الأمور المتعلقة بأخلاقيات البحث العلمي. بشكل عام، يلعب هذا المكتب دورًا مهمًا في تعزيز نزاهة البحث وضمان ثقة الجمهور ومؤسسات تمويل البحوث في نتائج الدراسات العلمية. يمكن حصر أدوار هذا المكتب في:

– تعزيز السلوك المسؤول للبحث بالعمل على تثقيف الباحثين حول السلوك المسؤول للبحث وتعزيز ثقافة النزاهة البحثية.

– توفير التوجيه بشأن نزاهة البحث عن طريق توفير إرشادات وتنظيم دورات تدريبية للباحثين ومؤسسات البحث حول كيفية الحفاظ على نزاهة أبحاثهم ومنع سوء السلوك البحثي.

– مراقبة مجتمع البحث لتحديد المشكلات المحتملة المتعلقة بنزاهة البحث واتخاذ الإجراءات المناسبة عند الضرورة.

– التحقيق في مزاعم سوء السلوك البحثي، مثل السرقة الأدبية والتلفيق وتزوير بيانات البحث، واتخاذ الإجراءات المناسبة عند اكتشاف حدوث سوء سلوك.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...