رمضان بالمغرب.. عاداتٌ وعباداتٌ وتكاليفٌ باهضة

رصد المغرب

هو شهر الغفران والرحمة والعتق من النيران، فيه تُصفد وتُكبل الشياطين، وتُفتح أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران بإذن الحي المنان، هو رمضان الكريم شهر الصيام والقيام وعمارة بيوت الرحمن تسبيحا وتهليلا وركوعا وسجودا وقراءة للقرآن، فيه تُملأ المساجد عن آخرها تقربا وتذللا للخالق البارئ المصور…هو رمضان صاحب الفرحتين، فرحة العبد عند الإفطار وفرحته عند لقاء ربه…اللهم أدخله علينا وعليكم بالصحة والعافية والأمن والأمان والصوم بالتمام والكمال…

*** عادات وتكاليف باهضة

هنا بالمغرب، لشهر رمضان طقوس خاصة وعادات وتقاليد خالدة راسخة كذلك، توارثت ولا زالت تتوارث أبا عن جد، ملؤها المحبة والسخاء وكرم الضيافة، والإنفاق في سبيل الله… شهر تُقام فيه الموائد افطارا مُعجلا، وسحورا مُأجلا، كما داخل البيوت كخارجها، يُسارع المحسنون إلى عرض موائد الافطار احسانا وفضلا بلا منٍّ ولا أذى، فيه تبلغ الحركة ذروتها، فترى الناس تُسارع الخطى تُقبل على المحلات والمتاجر والأسواق والأزقة لعرض المأكولات والمواد الغذائية أو اقتنائها، فلا مائدة تخلو من مالذ وطاب من مختلف المأكولات والمشروبات، حتى للحلوى الشباكية مكانة ورمزا يؤثث المشهد…

شوارع ملأى بالمارة والمتسوقين قبيل الآذان وبعده، وهي التي كانت تبدو طوال النهار خالية، لكن وما أن يؤدي المواطنون صلاة العصر، حتى تذب الحركة من جديد لترتفع معها حرارة الأجواء، وأصوات الباعة تغمر الأرجاء..فواكه وحلويات وتمور ومشروبات باردة هنا وهناك، كل ما تعشقه النفس وتلذه الأعين، يسارع المرء إلى اقتنائه…

*** رمضان بنكهة الغلاء وتوالي سنوات الجفاف

رمضان هذا العام، له طعم خاص ووقع كذلك، يأتي في ظروف استثنائية مع توالي سنوات الجفاف وغلاء الأسعار وأزمة الماء، ولا يختلف اثنان عن الدور المحوري لهذه المادة الحيوية خلال هذا الشهر الفضيل، حيث يزداد الطلب عليها داخل المطابخ والمحلات والمنازل من غسل للأواني وكنس وتصبين وغيرها، وهو ما يتطلب منا جميعا أخذ ذلك في الحسبان حتى لا نسقط في خانة الاجهاد المائي…

من المواد الغذائية التي تعرف اقبالا كبيرا، نجد الفواكه والأسماك والخضروات وخاصة الفلفل بشتى أصنافه، لكن الأسعار لحد الآن ورغم الأزمة الاقتصادية وتطمينات الحكومة، فهي تبقى مستقرة، بل وعرفت بعض أصناف الخضر انخفاظا ملحوظا، عدى الأسماك التي من المرجح أن تعرف أسعارها ارتفاعا ملحوظا، لتبقى اللحوم الحمراء والبيضاء من أبرز مكونات المطبخ المغربي على موائد الافطار…

للحريرة حضور وازن على موائد الافطار، تبقى الطماطم والقطاني و”المعدنوس والقزبر والكرافس” من بين اللاعبين الرسمين داخل مُعتركها….رائحتها الشهية تسر الناظرين وتملأ الأرجاء، فيما الأمهات صانعات الأجيال ومُعمرات البيوت يعتمدن في تذوق طعامها وملوحتها على حنكة الأطفال الصغار…

*** ليالي رمضان..عبادة وسمر

ليلا، وما أن يلتقط المرء أنفاسه وينتهي من حمد وشكر ربه على نعمة الافطار، حتى يشد الرحال صوب المساجد لأخذ الصفوف الأولى….شيوخ ونساء ورجال وأطفال، الكل إلى وجهة واحدة لأداء صلاة العشاء مع التراويح، فيما تبدو بيوت الرحمن وهي تكتسي حلة جديدة بعطر البخور والروائح العطرة استعدادا لاستقبال ضيوفها، الذين يملؤون ساحاتها ومختلف أطرافها، تضطر معه أحيانا السلطات العمومية إلى قطع حركة المرور حتى الانتهاء من الصلاة..

وما أن تنتهي صلاة التراويح، حتى تمتلئ الشوارع والساحات من جديد، فيما تعرف تجارة بيع الألبسة التقليدية كـ”الشرابيل” والبلغة والجلاليب، اقبالا كبيرا لدى المغاربة، يعتمدون عليها خلال الزيارات العائلية وخلال التوجه صوب المساجد والمصليات يوم عيد الفطر….

مُدن تنام باكرا، وأخرى لم تر طعم النوم طيلة شهر رمضان، منها مراكش الحمراء التي تتحول إلى قبلة للباحثين عن السهر والسمر خاصة بساحاتها ومساجدها ومآثرها، تتقدمهم ساحة جامع الفنا التي تستمر فيها الحركة التجارية حتى مطلع الفجر….

وما أن يُشارف رمضان على النصف، حتى تسارع الأسر المغربية صوب المحلات لاقتناء ملابس العيد، في انتظار احياء ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر…لتُرفع الأعمال ويَنفض الجمع في سوق البيع والشراء مع الله، إنه سوق شهر رمضان الكريم ففيه إما يربح الرابحون، أو يخسر الخاسرون المبطلون الذين لم يعطوا للشهر الفضيل حقه من صلاة وقيام ومعاملة واحسان وتلاوة للقرآن، فتراهم إما نياما صائمين، أومعربدين شاتمين صارخين في وجه الصائمين خوضا في أعراض الناس، متناسين أن الصوم هو صوم الجوارح وكفها عن الرفث والفسوق والجدال، وليس صوما عن الطعام والشراب، فربنا طيبٌ لا يقبل إلا طيبا…

رمضان كريم، وكل عام وأنتم بألف خير وهلَّ الله علينا وعليكم هذا الشهر باليمن والبركة والخير الوفير…

عن هبة بريس


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...