أسرار الاصولية المسيحية في قلب السلطة الامريكية

يحكي الكتاب اسرار منظمة أخوية مسيحية أصولية في الولايات المتحدة، و هي تجسيد للقيم الدينية للمذهب الانجيلي البروتستانتي و الفكر الغربي العملي، حيث سعت العائلة منذ نشأتها سنة 1935 على يد مهاجر نرويجي يدعى ابراهام فيرايد، الى تطبيق القيم الانجيلية في الواقع الامريكي عبر التقرب الى أصحاب النفوذ و رجال المال و الاستفادة المتبادلة لتمويل نشاطات العائلة مقابل جهود المبشرين لهزيمة النقابات العمالية، و هو ما تحقق في الواقع الامريكي بالفعل، فالعائلة تدعم الرأسمالية انطلاقا من المبدأ المؤسس لها “دعه يعمل دعه يمر” ، على أساس انه إرادة الرب. هي عملية أقرب لتخدير الجمهور الإنجيلي و شرعنة و تبرير تصرفات مراكز القوى النافذة مقابل أسهم في صناعة القرار و اموال لتمويل ميزانية المنظمة.

يسرد الكتاب التطور التاريخي للاصولية البروتستانتية الامريكية منذ بدايات الإستيطان الاوروبي اوائل القرن 16، مرورا بإستقلال الولايات المتحدة عن التاج البريطاني، و وصولا الى تاسيس جماعات وظيفية في القرن العشرين غايتها توجيه السياسات العامة الداخلية نحو تنفيذ وصايا الرب و تأسيس نظام ديني، و التأثير في الحكومات الاجنبية لخدمة السياسات الامريكية بما يشبه الدبلوماسية الدينية.

الكاتب جيف شارلوت و هو صحفي من اب يهودي و ام مسيحية، انضم الى إحدى أهم مراكز الاخوية في ايفانوالد بالعاصمة واشنطن، و تعرف عن قرب على أرشيف العائلة، و استمع الى الكثير من إفادات أعضائها، كما تنقل الى بعض الولايات التي تنشط بها خلايا العائلة كولايتي كولورادو و فيرجينيا، حيث أسست المنظمة مراكز تعليم ديني و فرقا موسيقية و مؤسسات مدنية، و اعاد تركيب كل تلك التفاصيل الى صورة أوضح للمنظمة السرية.

المثير في قصة العائلة، انها تمكنت عبر آليات متعددة من اختراق المجتمع السياسي الامريكي و العالمي، فعبر صلاة الفطور الوطني، يجتمع دعاة التنظيم بالسياسيين لتبادل المصالح، السياسيين يحتاجون اصوات الجماعات الانجلية، و قادة الجماعات يسعون لدعمهم مقابل دعم مختلف داخل البلاد و خصوصا خارجها، حيث استفاد موفدو المنظمة من دعم و نفوذ سفارات الولايات المتحدة.

لعبت المنظمة دورا مهما في السياسة الخارجية الامريكية، فهي تقوم باستقطاب رؤساء الدول الى تجمعاتها باسم إقامة صلوات في حب المسيح الرب، ابرزهم الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني، الصومالي محمد سياد بري، الاردني الملك الحسين، و الاندونيسي سوهارتو، بل و قامت بدور محوري في مناهضة الشيوعية و تفكيكها، و خدمة المصالح الغربية، و لا زالت تلعب ادوارا طلائعية لخدمة الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني كونها مسيحية متصهينة و ترى في إسرائيل عاملا مسرعا للولادة الثانية بنزول السيد المسيح و قيادته العالم في المئوية السعيدة و حينها يتحول اليهود او يبادون، و ما زيارات موفديها الى رؤساء مصر السعودية و الامارات الا تجليا لقوتها و قدرتها على التاثير على صناع القرار الامريكي كونها مصدرا لتاييد الانتخابي و مؤثرا قويا في السياسة الخارجية الامريكية، و لا يزال ينحني امام قوتها السياسيون الكبار مثل ترامب.

السؤال المحوري المقارن بعد قراءة الكتاب هو:
– لماذا لم تنتج الاصولية الاسلامية نفس التاثير السياسي مع عظم جمهورها؟ و ما المعيقات الفكرية أمام الاصولية الاسلامية للتعامل ببراغماتية توازي ما يمتلكه العقل الغربي الاصولي لتاثير في صناع القرار و السياسات العامة الداخلية و الخارجية؟

#الله_كريم


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...